كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:
مرة جديدة تحاذر روسيا الغرق في الوحول اللبنانية قبل اكتشاف الخيط الأبيض من الأسود، وتفضّل العمل عن بعد في الملف اللبناني وعدم الغوص في التفاصيل.
تتبع موسكو مع لبنان سياسة الصداقة مع الجميع، وتبدو من أكثر الدول الفاعلة عالمياً التي لا تطمح لأن يكون لديها حلفاء داخليون على حساب بقية الأفرقاء، بل تريد أن تستمر بلعب الدور الوسطي الذي رسمته لنفسها.
وإذا كانت روسيا تريد حلاً للأزمة اللبنانية إلا أنها تعتبر في المقابل أن هذا الحل لن يكون سهلاً لأن لا توافق إقليمياً ودولياً على حل شامل لأزمات المنطقة، وبالتالي فان كل الكلام الذي يُقال عن أن موسكو ستدخل في التفاصيل الحكومية اللبنانية لا أساس له من الصحة، لأنها تعتبر أن قرار الحل والربط الأكبر بيد اللاعب الأميركي ولا تريد أن يكون دخولها إلى الساحة اللبنانية على طريقة مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي فشلت في الوصول إلى خواتيمها السعيدة، بل تريد أن تكون التسوية بحل شامل بينها وبين الأميركيين.
وفي السياق، فإن عدم حضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى بيروت يأتي في سياق تأجيل الزيارة لا إلغائها، وتؤكد المعلومات أن لافروف الذي يعمل على ملفات كبيرة في المنطقة يود الحديث مع الأصيل، أي أنه سيأتي إلى بيروت من أجل الحديث مع الحكومة الجديدة ويجري محادثات رسمية مع نظيره اللبناني ومع رئيس الحكومة سعد الحريري، إذا ما نجح في تأليف الحكومة، لذلك فان لافروف قد يزور لبنان بعد نيل الحكومة الثقة، أما عرقلة الولادة الحكومية فتعني أن لا زيارة روسية إلى بيروت.
إذاً، تترك موسكو التفاصيل الداخلية اللبنانية للأميركيين والفرنسيين والإيرانيين، وتفضّل العمل على الملفات الكبرى التي تهم لبنان والمنطقة، وهذه الملفات التي تهم بيروت تتمثل بمفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، ومحاولة إنهاء المشاكل الحدودية بين لبنان وسوريا وملف النازحين السوريين.
ولطالما كانت هناك مطالبات عدة من أفرقاء لبنانيين وعلى رأسهم قوى 14 آذار أي الثلاثي “القوات اللبنانية” و”المستقبل” و”التقدمي الإشتراكي” في أن تكون عودة النازحين برعاية روسية وأممية، ولا تحصل بطريقة التفاوض المباشر مع النظام السوري، وكذلك الأمر بالنسبة لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل وإنهاء مشكلة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. ويبدو أن هذه الملفات قد تتحرك مع العودة المرتقبة للرئيس الحريري إلى السراي الحكومي، وعلى رغم تأجيل زيارة لافروف فإنّ الروس لا يتركون الساحة اللبنانية، لذلك وتزامناً مع انعقاد الجلسة الثانية من مفاوضات ترسيم الحدود اليوم، وصل إلى بيروت وفد روسي للقاء المسؤولين اللبنانيين، وسيكون ملف النازحين والمؤتمر المقرر سبب الزيارة مع الحديث عن تحريكهم للمبادرة الروسية – الأميركية، التي تمّ الإتفاق عليها في قمة هلسنكي في تموز من العام 2018 بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، وتطمح روسيا لنجاح هذا المؤتمر المنوي عقده في 11 و12 تشرين إذا لم يحصل أي تأجيل.
وسيلتقي الوفد الرؤساء الثلاثة وقائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إن سمحت الظروف الصحية بذلك، ومن الممكن ان يلتقي الرئيس المكلف سعد الحريري، لكن أساس زيارة الوفد هو مؤتمر النازحين وليس الملفات الأخرى. لا شكّ أن موسكو مهتمة بالمفاوضات العربية – الإسرائيلية وأمن إسرائيل وكبح جناح الحضور الإيراني في سوريا ولبنان والمنطقة، وتعتبر من أكثر المرات التي يحصل فيها تقارب روسي – إسرائيلي حيث تعطي موسكو الضوء الأخضر لتل أبيب لتنفيذ ضربات على أهداف في سوريا، لذلك فان ملف التطبيع لا يغيب عن بال الروس.
في المحصلة، فان كل الامور تتوقف على تفاهم دولي وخصوصاً بين الأميركيين والروس، لذلك فان ما على القوى اللبنانية إلا متابعة تطورات المنطقة لمعرفة ماذا سيحل في بلدهم بعدما باعوا مفتاح الحل.