اعتبرت مصادر مصرفية واسعة الاطلاع أن “الحملات والتسريبات التي عادت تستهدف القطاع المصرفي في لبنان من خلال اتهام مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة بعرقلة التدقيق المالي الجنائي الذي تتولاه شركة “الفاريز أند مارشل” بناء على الاتفاق الموقع مع الحكومة اللبنانية ممثلة بوزير المال المستقيل غازي وزني، هي محاولة مكشوفة لتحويل الأنظار والتغطية على الصفقات السياسية والتحاصصية الجديدة الجاري تحضيرها على الصعيد الحكومي بما يخالف مطالب الرأي العام اللبناني بحكومة من الاختصاصيين غير الحزبيين وغير السياسيين تتولى عملية الإصلاح الحقيقي من خلال خطة علمية تعالج الأسباب الحقيقية للأزمة المالية والإقتصادية والاجتماعية”.
وأوضحت المصادر لـ”المركزية” أن “السياسيين، ولاسيما منهم أركان المنظومة الحاكمة وشركاءهم، يتعمدون مرة جديدة وكعادتهم التي درجوا عليها منذ مدة، تزوير الحقائق والتهرب من المسؤولية من خلال رميها على مصرف لبنان والحاكم في محاولة لإخفاء حقيقة مواقفهم الرافضة والمتهربة من اعتماد الشفافية الفعلية ومنع الرأي العام اللبناني من الإطلاع على حقيقة الارتكابات والفضائح وتظهير المسؤولية الفعلية للمنظومة السياسية بالتكافل والتضامن بين أعضائها وشركائها عن هذه التجاوزات والارتكابات على مدى عشرات السنوات!”.
ولفتت إلى أن “المنظومة السياسية سعت منذ اللحظة الأولى الى تلغيم الاتفاق قانونيًا على نحو يعطّل التدقيق الجنائي الفعلي، بدليل التجاذبات التي رافقت التوصل الى الاتفاق بين وزارة المال ومرجعيتها السياسية والحزبية من جهة (الرئيس نبيه بري وحركة أمل) وبين رئيس الجمهورية ميشال عون. وقد تجاوزت الحكومة منذ اللحظات الأولى القوانين المرعية الإجراء التي تكرّس استقلالية مصرف لبنان، فصادرت دوره وصلاحياته، وتفاوضت ووقعت الاتفاق مع شركة “الفاريز أند مارشل” من دون العودة إليه كما يقتضي القانون، على أمل أن يبادر المصرف وحاكمه الى رفض تنفيذ الاتفاق، فيظهر وكأنه هو المعرقل للتدقيق المالي الجنائي فتنجو المنظومة السياسية من الاتهامات المحلية الدولية السياسية والشعبية الواضحة والصريحة بالمسؤولية عن الهدر والسرقات والسمسرات والصفقات التي أوصلت الأمور الى ما هي عليه اليوم من انهيار!”.
لكن سلامة الذي لفت انتباه المسؤولين، بهدوء وبعيداً من الإعلام والضوضاء السياسية كعادته، الى مخالفتهم للقوانين والى ضرورة احترامها أو تعديلها في حال رغبوا بالعمل خلافاً لما تنص عليه من خلال الاتفاق مع شركة “الفاريز ومارشل”، سارع الى قطع الطريق أمام المنظومة السياسية في محاولتها لتبرئة نفسها من الارتكابات ورميها في ملعب مصرف لبنان والمصارف، من خلال استدراج سلامة الى مواقف وقرارات وردات فعل يمكن معها رمي تهمة تعطيل التدقيق الجنائي في ملعبه خصوصاً أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأكد على الملأ أنه مستعد لفتح أبواب مصرف لبنان أمام المصرف المركزي الفرنسي وفرق خبرائه للتدقيق في كل ما يرغبون الاطلاع عليه بالتزامن مع تجاوزه الناحية الشكلية من القوانين التي تفرض مشاركة مصرف لبنان في التفاوض والتوقيع مع “الفاريز أند مارشل”، ومبادرته على الفور الى تزويد الشركة بكل ما يسمح به القانون من وثائق ومعلومات وأرقام تسمح بالتعرف الى أدق التفاصيل المتعلقة بمصرف لبنان وعملياته وماليته ومصاريفه وقراراته وسياساته وآليات عمله، وباتت كل حسابات مصرف لبنان من دون أي استثناء بتصرف الشركة المشار اليها، والمصرف مستعد لأي تعاون في هذا المجال من دون أي سقف أو حدود لأن لا شيء لديه يخشاه أو يخفيه، وهو مقتنع وواثق بشفافية عمله ولا شيء لديه يخفيه لا عن المحققين ولا عن الرأي العام اللبناني.
وشددت على أن “مصرف لبنان ملتزم بحرفية الاتفاق الذي وقعته وزارة المال نيابة عن الحكومة اللبنانية مع شركة “الفاريز أند مرسال”، وهو يعمل على تنفيذه بدقة متناهية، اشارت الى أن الاتفاق الذي لم يكن مصرف لبنان شريكاً في التوصل اليه، ولا طرفاً فيه، ولم يستشر في مضمونه، ينص على أن يتم التدقيق المالي الذي تجريه الشركة “وفقاً للقوانين اللبنانية وبموجبها”.
واوضحت المصادر بالإستناد الى نص الاتفاق الذي وقعه وزير المال بموافقة وغطاء من الحكومة ورئيسها ورئيسي الجمهورية ومجلس النواب الى أن قانون النقد والتسليف المعمول به في المادتين 44 و 151 يلزم مصرف لبنان باحترام قانون السرية المصرفية، وهذه النصوص القانونية ليست صادرة عن المصرف ليتصرف بها على هواه تعديلاً أو تغييراً أو إلغاء أو تجاوزاً، وبالتالي فإن مصرف لبنان ممنوع عليه قانوناً الكشف عن حركة حسابات زبائنه الذين هم حصراً المصارف التجارية والدولة اللبنانية. فعوض أن تنصب الحكومة والمنظومة السياسية الأفخاخ لمصرف لبنان من خلال استدراجه الى مخالفة القوانين ليعود البعض ويحاسبه ويسائله ويتهمه بذلك، بإمكان الحكومة والسلطات السياسية بكل بساطة إخضاع المؤسسات الحكومية بدءاً بوزارة المال ومروراً بكل المؤسسات العامة والمجالس ككهرباء لبنان ومجلس الإنماء والإعمار ومجلس الجنوب وصندوق المهجرين وغيرها من الصناديق والمجالس والوزراء والمؤسسات، الى التدقيق المالي الجنائي كما فعلت بالنسبة الى مصرف لبنان لتعرف أين صرفت الأموال وكيف صرفت، ومن قبض ومن ارتشى ومن سرق الخ؟؟؟”.
أما بالنسبة الى كشف السرية المصرفية عن حسابات المصارف التجارية ، بإمكان الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات والتيارات المزايدة، التي تتهم مصرف لبنان وتريد منه مخالفة القوانين التي لا علاقة له بسنّها، وهي بمعظمها ممثلة في الحكومة ومجلس النواب أن تعمد الى وضع مشروع قانون تحيله الحكومة الى مجلس النواب لتعديل قانون السرية المصرفية أو إلغائه… وفي حال تمنع الحكومة عن ذلك فباستطاعة أي نائب أن يتقدم باقتراح لتعديل القانون… وعندها بعد تعديل القانون يمكن للمنظومة أن تحاسب مصرف لبنان وحاكمه إذا امتنعا عن الالتزام بمضمون القانون!
وتختم المصادر المصرفية الواسعة الإطلاع: تدرك المنظومة السياسية حقيقة ارتكاباتها وتجاوزاتها، وتعرف كيف صرفت هي الأموال وأين، وتعلم حقيقة الصفقات والسمسرات والارتكابات والجهات التي تقف وراءها، حتى أن الجهات الدولية تعرف أدق التفاصيل التي استندت اليها لفرض عقوبات على بعض المسؤولين الحكوميين اللبنانيين بتهم الفساد والهدر وتبييض الأموال وتهريبها… وبالتالي فإن جدية الحكومة والسياسيين وحسن نواياهم تبدأ بمواجهة الحقيقة واعتبار المعلومات التي استندت اليها وزارتا الخزانة والخارجية الأميركية، على سبيل المثال لا الحصر، والتي يمكن أن تستند عليها مستقبلاً أكثر من جهة عربية ودولية لفرض المزيد من العقوبات على أعضاء المنظومة السياسية الممسكة بمفاصل الدولة ووزاراتها في لبنان، بمثابة إخبارات الى النيابات العامة المعنية في لبنان لفتح تحقيقات مع الجهات والمرجعيات التي يفترض حقيقة أن تسأل وتحاسب!