كتبت رحيل دندش في صحيفة “الأخبار”:
مع انطلاق موسم الزيتون والزيت لهذا العام، لا تغيّر إيجابياً لناحية التعامل مع الكارثة السنوية التي تتسبّب بها مخلّفات عصر الزيتون، أو ما يعرف بـ«الزيبار». لم تنفع التشريعات والمذكّرات الإرشادية التي أطلقتها وزارة البيئة منذ عام 2010 حول الآثار الوخيمة لرمي مخلّفات عصر الزيتون عشوائياً على البيئة (قُدّرت كلفة التدهور البيئي الناتج عن قطاع صناعة زيت الزيتون في لبنان عام 2006 بـ13.27 مليون دولار). ولا تزال معاصر الزيتون في مرجعيون والنبطية وحاصبيا وراشيا والكورة وعكار والعبدة شمالاً تتخلّص من الزيبار برميه في شبكات الصرف الصحي أو تفريغ الخزانات المحمّلة به في الأراضي المكشوفة وفي الأنهار والوديان، ما يسبّب تلوّثاً خطيراً للمياه السطحية والجوفية، فضلاً عن الأضرار الجسيمة التي تلحق بالتربة والمزروعات.
المصلحة الوطنية لنهر الليطاني طلبت من وزارة الداخلية، منذ بداية الموسم الحالي، الإيعاز إلى البلديات واتحادات البلديات الواقعة على مجرى نهر الليطاني لتحذير أصحاب المعاصر من إلقاء المياه العكرة الناتجة عنها في مجاري النهر، لما في ذلك من حدوث أضرار تلحق بمنطقتَي البقاع الغربي ومرجعيون، ولاسيما تلويث مياه نبع عين الزرقا التي تشكّل مصدراً لمياه الشفة لعدد من القرى والبلدات.
الشروط البيئية لرخص استثمار معاصر الزيتون المحدّدة بالقرار 1 على 101 لعام 2010 تقتصر على تجميع الزيبار في خزانات غير نافدة والتخلص منه وإعادة استعماله بطريقة سليمة وصحية. وهي معالجة غير مكلفة، ما يثير التساؤل حول عدم ضبط وزارتَي البيئة والصناعة للمخالفات البيئية لهذه المعاصر، وخصوصاً أن سعر صفيحة زيت الزيتون تضاعف هذا العام. المدير العام لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ميشال أفرام أكد أنه لم يطرأ أي تغيير لناحية التخلص السليم من الزيبار، «لسبب بسيط هو غياب الرقابة، وعدم الجدية في التعاطي مع هذا الملف الحيوي، وعدم اتخاذ أيّ إجراء قانوني بحق أيّ من المخالفين. القانون موجود لكنه من دون مفعول، ولا تزال المعاصر ترمي الزيبار كيفما اتفق وبعضها يرميه في شبكات الصرف الصحي، ما يؤدي إلى تعطيل محطات تكرير الصرف الصحي لأنها لا تستطيع تكرير الزيبار، نظراً إلى حمولته الزائدة من المواد الكيميائية والعضوية التي تحتاج إلى معالجة خاصة».
وبحسب لائحة وزارة الصناعة المتوفرة حتى أول عام 2019، فإن في لبنان 63 معصرة مرخّصة فقط من أصل 500، تتركّز في الشمال والبقاع الغربي والجنوب والنبطية وجبل لبنان. رئيسة دائرة حماية البيئة السكنية في وزارة البيئة، ألفت حمدان، أكّدت أن غالبية هذه المعاصر ليس لديها التزام بيئي. وتعتمد تقنيتَي العصر التقليدي والعصر بالطرد الثلاثي، «وهاتان التقنيتان تنتج عنهما كميات كبيرة من النفايات السائلة (الزيبار)، فيما عدد المعاصر التي تعتمد تقنية الطرد الثنائي الصديقة للبيئة والتي تنتج كمية أقل من الزيبار لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة».
تنتج عن عصر الزيتون نفايات صلبة ناجمة عن عصر عجينة الزيتون (الجفت)، الذي عادة ما يُكبس ويُستعمل في التدفئة كبديل للحطب غير ملوّث للبيئة. أما الزيبار، وهو نفايات سائلة ناتجة عن عصر حبوب الزيتون، فيحتوي على مواد عضوية ونيتروجينية وكحولية خطرة. ووفق حمدان، يسبّب التصريف العشوائي للزيبار آثاراً سلبية في البيئة، نظراً إلى محتواه الشديد الحموضة والغني بالمواد العضوية، وأبرزها الفينولات المتعدّدة الحلقات. وهذا يؤدي إلى تلويث التربة والمياه السطحية، «وتكفي كميات قليلة من الزيبار لتلوّث مصادر مياه الشرب في حال تسربها إلى المياه الجوفية». وتتفاقم المشكلة عندما يتم استعمال «الكلور» لتطهير المياه، إذ أن تفاعل «الكلورين» مع الفينول يؤدي إلى تشكيل «الكلوروفينول» الذي يشكل خطورة أكبر على صحة الإنسان. كما تشكل الدهون الموجودة في الزيبار طبقة على سطح المياه تحول دون تشبّع المياه بالأوكسجين وتعيق مرور أشعة الشمس إلى داخلها فتمنع نمو الكائنات الحيّة النباتية والحيوانية.
تعزو حمدان ضعف تطبيق شروط الالتزام البيئي إلى كون عصر الزيتون صناعة موسمية، والمعاصر بغالبيتها عائلية تقع بين البيوت، ما يحد من تأمين الشروط البيئية التي تحتاج إلى مساحة غير متوفرة. إضافة إلى أن تقنيات المعالجة مكلفة، والمعصرة الواحدة ليست لها قدرة على القيام بها وحدها. وأشارت إلى أن حلولاً عديدة اعتُمدت في الخارج، كإسبانيا وسوريا، لاستخدام الزيبار في ري المزروعات، لكن ضمن إرشادات صارمة وكميات محددة ومع كثير من التحاليل للتأكد من عدم تلويث التربة والمزروعات والمياه السطحية. وقد صدر عن وزارة البيئة قرار (رقمه 102/1) يحدد إرشادات استعمال الزيبار للري، لجهة الأراضي المستثناة والأوقات التي يمنع فيها الريّ بالزيبار والكميات المسموحة… ولأن ذلك، وفق حمدان، «دقيق ومكلف لم يتم اعتماده رسمياً». أما الحل فهو «إنشاء معاصر مركزية على صعيد بلدي أو أقضية وتأسيس جمعيات تعاونية تستطيع استقدام معدات حديثة يمكنها تحمّل كلفتها وكلفة المعالجة». إلا أن هذا الحل «صعب حالياً لأن هذه الصناعة لا تزال عائلية، والناس في أحيان كثيرة يختارون معاصر معينة ليطمئنوا إلى الإنتاج». لذلك نفّذت وزارة البيئة ما أسمته بالمشروع النموذجي في إحدى معاصر الكورة، حيث أحدثت حفرة اصطناعية غير نفّاذة جمعت فيها الزيبار، معرّضة إياه للتبخّر الطبيعي بفعل أشعة الشمس، وما يتبقّى من الوحول يمكن التخلص منه كمضافات لأعلاف الحيوانات أو كالنفايات الصلبة المنزلية. هذه التقنية، كما تشير حمدان، «أثبتت فعّاليتها وهي أسهل الممكن للوصول إلى المعايير المقبولة أحياناً نظراً إلى أن تقنيات المعالجة الأخرى مكلفة جداً. ولكن شرط أن تكون حفرة التبخير بعيدة عن البيوت تفادياً للروائح». في انتظار ذلك، يقتصر دور وزارة البيئة حالياً على متابعة الشكاوى المقدّمة ضد المعاصر، ومنح التراخيص للمعاصر التي تلتزم الشروط البيئية.