كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
على رغم اللقاء الثنائي «الجيّد» الذي جمع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب المستقيل سامي الجميل في قصر الصنوبر، قبيل اللقاء الشهير بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والقادة السياسيين، إلّا أنّ هذه «حدود» العلاقة بين الطرفين. لا لقاء سياسياً ولا تنسيق بين الحليفين القديمين، على رغم الالتقاء في الرؤية الاستراتيجية للبنان. فالجميل يعتبر أنّ «القوات» جزء من السلطة، ومن النادر أن تخلو بيانات المكتب السياسي الكتائبي من «لطشات» لـ»القوات» وخياراتها.
بعد استقالة نواب «الكتائب» من المجلس، قطع الحزب «الصلة» بأي من القوى السياسية في السلطة، ومنها في مجلس النواب، ويحاول تقريب وجهات النظر بينه وبين «الثوار» لمواجهة المنظومة السياسية، ويدعو النواب الآخرين الى حذو حذوه بالاستقالة، على رغم من أنّ جهات سياسية عدة تسأل: «ماذا نفعت هذه الاستقالة، وأيّ تغيير أحدثته؟»، خصوصاً أنّ استقالة النواب، ومهما بلغ عددهم، لا تفرض إجراء انتخابات نيابية مبكرة. إلّا أنّ الاستقالة بالنسبة الى «الكتائب» أتت بعد كلّ محاولات التغيير من الداخل، ولمواجهة هذا الواقع الذي لا يريد الحزب أن يكون جزءاً منه، بصرف النظر عن أيّ ربح في السياسة الآن.
أمّا من جهة «القوات»، إنّ «التفكير في ما بعد الاستقالة من مجلس النواب يجب أن يسبقها وليس العكس. هذه الخطوة يجب أن تكون هادفة وتؤدّي الى قلب الطاولة وفرض دينامية سياسية في البلد، وإلّا لا تكون إلّا إخلاء للساحة النيابية من المعارضين». لذلك، أرسل جعجع وفداً «قواتياً» الى الجميل إثر استقالة نواب «الكتائب» لثنيه عن هذه الاستقالة والرجوع عنها، إلّا أنّ الجميل أصرّ عليها.
منذ ما قبل انتخابات 2018 اختار حزب «الكتائب» الحوار مع المجتمع المدني والتحالف معه، وسبق أن حمل راية ملفات حياتية كثيرة، ولم يتحالف مع أي من قوى السلطة في الانتخابات، إلّا أنّ الشعب اللبناني خذل الكتائبيين في صناديق الإقتراع، فخرجوا من معركة الانتخابات بكتلة من ثلاثة نواب. وعلى رغم محاربة «الكتائب» للسلطة من مجلس النواب عبر الطعون وإقتراحات قوانين ومعارضتها لعمل الحكومات، من ملف النفايات الى الموازنات، وضع «ثوار 17 تشرين» جميع القوى في سلّةٍ واحدة: «كلّن يعني كلّن»، وهوجم الجميل في ساحات الثورة وطُرد منها. أمّا «القوات»، على رغم مشاركتها في الحكومات، انتهجت «المعارضة الداخلية»، وعلّت الصوت وأوقفت «صفقات عدة» ومنها بواخر الكهرباء، وكانت أوّل من استقال من حكومة الحريري إثر ثورة 17 تشرين الأول 2019، ومنذ 2 أيلول 2019 أقلّه تطالب بحكومة إختصاصيين مستقلين وأن تتنحى القوى السياسية جانباً.
وتلتقي «القوات «و»الكتائب» بعد «ثورة 17 تشرين» على مطلب إجراء انتخابات نيابية مبكّرة، وكانت كلّ من كتلتي الحزبين النيابية قدّمت إقتراح قانون لتقصير ولاية المجلس تمهيداً لإجراء هذه الانتخابات، إلّا أنّ إقرار أيّ منهما متعذّر في ظلّ رفض الأكثرية النيابية والتي تمثّل السلطة. وعلى رغم الالتقاء شبه التام و»التلازم في المصير الوطني» لجمهور الحزبين في بيئتهما المشتركة، إلّا أن لا تنسيق ولا تلازم في المسار السياسي بين الفريقين المسيحيين. فاللقاء الأخير الذي جمع جعجع والجميل، كان خلال لقاء قصر الصنوبر، وقبل أن يكتمل الحضور، حيث عُقد لقاء ثنائي بين الرجلين دام من ربع الى نصف ساعة، وكان «لقاءً جيداً، وحصل اتفاق على النقاط كلّها، كذلك حصل تقاطع وتكامل في طروحاتهما على طاولة الإجتماع بماكرون»، بحسب مصادر مطلعة. لكن ما عدا هذا اللقاء، أي اتصال أو لقاء بين الجانبين محصور بـ»البروتوكول والاجتماعيات».
وفي حين دعا الجميل، الاثنين الفائت، «جميع الأفرقاء التغيريين»، الى «وضع كلّ الخلافات الصغيرة جانباً، وأن نضع يدنا بيد بعضنا البعض، لأنّه لا بدّ من مواجهة المنظومة السياسية بوحدة الموقف والتحضير للمعارك السياسية والانتخابية المقبلة»، إلّا أنّه لا يشمل «القوات» بهذه الدعوة، بل يقصد بـ»الأفرقاء التغييريين» كلّ شخص أو أي جهة خارج السلطة، والسلطة تعني أي موقع نيابي أو وزاري أو رئاسي، حسب ما توضح مصادر قريبة من الجميل. وبالتالي، طالما «القوات» ما زالت في مجلس النواب، وجزءاً من السلطة «لا لقاء أو تنسيق في السياسة في العمق». وتضيف: «لكن يُمكن أن يكون أي فريق في السلطة ويخرج منها ويقتنع بقواعد الثورة بنحو بعيد من المناورات، حينها يمكن التنسيق معه».
وبالتالي يتوجّه الجميل بهذا الكلام الى مجموعات الثورة تحديداً، ويرى البعض أنّ دعوته هذه أتت بعد طلب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر من المعارضين والثوار، عندما التقاهم خلال زيارته لبيروت، «توحيد الموقف». لكن معظم مجموعات الثورة تحيّد سلاح «حزب الله» وتضع جميع السياسيين في الخانة نفسها، في حين أنّ الجميل يعتبر أنّ «حزب الله» هو «مشكلة البلد، وطالما هي موجودة لن يتغيّر أي شيء». وانطلاقاً من «الواقعية السياسية» يحاول الجميل من خلال لقاءاته بأكبر عدد من المجموعات والثوار أن يشرح لهم وجهة نظره، وأن يحاول تقريب المواقف. ويؤكّد القريبون منه أنّه «لا يناور».
على عكس «الكتائب»، ترى «القوات»، أنّ «القوى السياسية التي تتماهى مواقفها، يجب أن تلتقي انطلاقاً من أنّ أي فريق سياسي لا يُمكنه منفرداً أن يبدّل في المشهد السياسي القائم». وتقول مصادر «القوات»: «يُخطئ من يعتقد أنّه منفرداً يمكنه قلب الطاولة وإحداث تغيير فعلي وحقيقي». وترى «أنّنا في مرحلة سياسية جديدة تتطلّب الالتقاء حول أكثر من عنوان سياسي لدفع الأمور قدماً في اتجاه خطوات عملية، وليس شعارات نظرية». وتعتبر أنّ «الخطوة العملية الأساسية التي يجب أن تكون هدفاً للثورة هي الذهاب قدماً في اتجاه انتخابات مبكرة، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلّا بتكوين كتلة شعبية ضاغطة في هذا الاتجاه، لأنّ هذا الهدف الوحيد القادر على قلب الطاولة».
هذا التنسيق بين «مجموعات الثورة» والقوى المعارضة في مجلس النواب، للضغط على السلطة، كان أثمر نتائج أفضل من تلك التي شهدها عام الثورة الاوّل، وفق ما يرى البعض. لكن «الثوار» لم يقتنعوا حتى الآن بوجهة النظر هذه، ويُشاركهم حزب «الكتائب» الموقف نفسه.