كتب بسام أبو زيد في صحيفة “نداء الوطن”:
من دون اتفاق على أي أرضية سياسية أو اقتصادية، يجرى تشكيل الحكومة العتيدة، والأنكى أنّ ذهنية تشكيلها لم تتغيّر ولو كانت ستولد بصورة مختلفة عن سابقاتها، أو هكذا سيحاول من يستولدها الإيحاء.
في السياسة، أصبح العالم كلّه يدرك أنّ لا خلاص للبنان سوى بمعالجة الوضع المسلّح لـ”حزب الله”، فبغير ذلك لن يكون تأمين استقرار سياسي لصالح دولة قوية تملك القرار في كلّ المجالات، دولة تطبّق القانون في الداخل، وتبني سياساتها وِفق مصلحة لبنان واللبنانيين، لا أن تُفرض عليها مخطّطات وسياسات لا علاقة لها بالواقع اللبناني، كما أنّ معالجة هذا الواقع تسمح للمجتمعين العربي والدولي أن يدركا بأنّ في لبنان سلطة يجدر التعامل معها والركون إلى قراراتها وممارساتها ومواقفها، من دون الخوف من أن تكون هذه السلطة مرتهنة أو مصادرة أو مختطفة ولو للحظة.
هذا المسار السياسي، إن حصل، هو الوحيد الذي سيفتح الأفق أمام اتفاق اقتصادي بين اللبنانيين يشجّع العالم والعرب على مساعدة هذا البلد، ولكن ما هو ظاهر حتى الآن أنّ العاملين على خطّ الحكومة يخشون مقاربة هذا الموضوع، بالرغم من إدراكهم أنّه مفتاح كل الحلول، ولذلك ستبقى كلّ خلافاتهم السياسية والاقتصادية مستشرية ومتفاقمة، ولن تكون لديهم الجرأة للصراحة مع “الحزب” ومع جميع اللبنانيين، ما سيؤدي إلى ذهاب الأمور نحو الأسوأ، ولو شهد الوضع هدنة مزيّفة.
في هذا المجال، كيف سيتابع مثلاً رئيس الحكومة العتيدة دعوة المجتمع الدولي لمساعدة لبنان؟ وهل يكفي ان تجمع فرنسا دولاً ومنظّمات كي تحصل العجائب؟ أين هو موقف الولايات المتّحدة من هذا الموضوع، وبيدها الحلّ والربط مع أوروبا ومع غيرها ومع المنظمات المالية الدولية؟ وهذا الواقع مستمرّ إن فاز ترامب أم خسر، فبايدن ليس مرشّح مِحور الممانعة والاتّجاه شرقاً.
كيف سيقتنع العالم العربي، وتحديداً دول الخليج، بمساعدة لبنان؟ ماذا ستقدّمون لهم من استراتيجيات وضمانات، أم أن مساعدتهم أصبحت بالنسبة للبعض غير ذات أهمية؟
يجب أن يدرك القائمون على تشكيل الحكومة أنّ الدول العربية، ولا سيّما الخليجية، هي الأَولى بالمعروف اللبناني بعدما قدّمت ووقفت إلى جانب لبنان لعقود طويلة، فهل يجوز ألا نأخذ ببعض توجّهاتها في وقت يأخذ لبنانيون آخرون بتوجّهات غير عربية بالكامل وقادوا البلد من خلالها نحو الهاوية؟
كلّ ذلك يترافق مع صراعات داخلية، وأبرزها والمرشحة لصراع مرير هي مسألة التدقيق المالي الجنائي في مصرف لبنان. فرئيس الجمهورية ميشال عون مُصرّ على هذا التدقيق في استهداف لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والجهات السياسية التي يصفها بالفساد، ولكن المفارقة مع الحكومة الجديدة أنّ هذه الجهات باقية في وزارة المال، إضافة إلى أنّ في رئاسة الحكومة الرئيس سعد الحريري الذي يتمسّك بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ويدافع عنه، عكس توجهات الرئيس عون وتيّاره السياسي المتّهم من قبله بالفساد، ولاسيّما في قطاع الكهرباء ما سيجعل التدقيق المالي الجنائي في خبر كان، وهو في الحقيقة مات قبل أن يولد وربّما يضع الجميع الحجر على رأسه تحت عنوان مقولة جديدة وهي “الاتّهام المستحيل”، بدل “الإبراء المستحيل”.