كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
بالوقائع لا بالتحليل من غير الممكن أن نشهد ولادة حكومة في غضون ساعات او حتى ايام قليلة. المساعي الداخلية معطلة والعين على ما يجري حول العالم الذي دخل مرحلة حبس انفاس تزامناً مع بدء الانتخابات الاميركية. أما فرنسياً وإن صحت معلومات البعض عن أن مساعي السفير السابق برنار ايمييه لم تستكن بعد لمعالجة الوضع اللبناني، فإن منح الفرنسيين ورقة الحكومة في ذروة الازمة المتعلقة بإهانة النبي محمد لا يندرج في سياقه المعقول. وليس الأمر سعودياً أقل تعقيداً مع ازالة المقال الذي نشرته صحيفة “المدينة” السعودية ويتحدث عن ان “المرحلة تتطلب وجود الحريري، لا غيره، على رأس الحكومة المقبلة”. بالاتكال على هذه العناصر يعني ان لا حكومة قريبة.
يا لحظ الرئيس سعد الحريري المتعثر. لعله وضع نفسه في ورطة لا يعرف الخروج منها. وبينما كان يطمح الرئيس المكلف الى اخراج حكومته الى العلن قبل الانتخابات الاميركية، خابت الرهانات، والحكومة التي كان مأمولاً أن تتشكل قبل أيام وأن تكون مثار بحث بين رئيسي الجمهورية والرئيس المكلف صارت بعلم الغيب. أيام قد تطول الى أسابيع، طالما العقد لم تذلل بعد وكل طرف يحيل التأخير الى الطرف الآخر. المفروغ منه أن الحكومة التي ستتشكل ولو بعد حين لن تكون حكومة اختصاصيين كالتي وعد بها الرئيس المكلف. هي حكومة سياسية بوجوه جديدة مسماة من الاحزاب والتيارات السياسية. وهذه ليست عقدة بطبيعة الحال لأن كذبة الوزير الاختصاصي لا تتناسب وبلد كلبنان كل ما فيه مسيس حتى نفاياته.
دفعة واحدة سادت الاجواء السلبية وتمترس كل طرف خلف مطالبه، لكن أحداً لم يخرج معلناً المراحل التي قطعها تشكيل الحكومة والعقبات. وحدها المصادر والترجيحات وانكفاء المعنيين عن الظهور شكّلت دليلاً على وجود عقبات لم تعد محصورة بواحدة او اثنتين. وعلى الرغم من ان الحديث الطاغي يتمحور حول ما يسمى عقدة التمثيل الدرزي فإن مثل هذه العقدة لا تبدو إلا “شمّاعة” يتم التلطي خلفها لمآرب اخرى أكثر تعقيداً. اقله هذا الشعور الذي يغالب الحزب “الاشتراكي” الذي لا يزال رئيسه يتحصن عند وعد الرئيس المكلف بتمثيل حزبه بحصة من حقيبتين احداهما الصحة. لم يتبلغ جنبلاط بأن تغييراً طرأ على الوعد القديم. وتستغرب مصادر “الاشتراكي” التلطي خلف ما يسمى عقدة درزية على خلفية العودة الى طرح بعض العناوين، لتغطية العرقلة الحقيقية المتمثلة برغبة البعض الحصول على الثلث المعطل في الحكومة والاحتفاظ بحقيبة الطاقة من نصيبه، ورفضه تمثيل المردة بحقيبتين ويعني ذلك وفق مصادر “الاشتراكي” ان الاشكالية الأساسية تكمن في التمثيل المسيحي وبالتالي فلا دخل للتمثيل الدرزي هنا. لكن مصادر اخرى معنية بالتأليف ترفض مثل هذا المنطق، نافية أن تكون مسألة توزير النائب ارسلان على علاقة بالثلث المعطل بل هي تتصل بإصرار “حزب الله” على تمثيله في الحكومة، وهو أمر لن يتصدى له حلفاء الطرفين بطبيعة الحال.
وطالما ان الحكومة لم تبصر النور فيعني ان الحريري لم يوافق على حكومة من عشرين وزيراً ولا على تمثيل “الحزب الديموقراطي”. وزيادة على أن رئيس “الديموقراطي” ارسلان ماض في استفزازه للحريري الى اقصى الحدود، فان الرئيس المكلف ليس بوارد كسر وحدة المعايير التي يتبعها من ناحية عدم تمثيل القوى التي لم تسمه، وتمثيل ارسلان يعني قبوله بتمثيل قوى اخرى كـ”الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” و”اللقاء التشاوري”، وهو ليس بوارد فتح مثل هذا الباب عليه.
قد تبصر الحكومة النور في حال حصول احد الاحتمالين: إما بقوة دفع خارجية وعقوبات او بتدخل مباشر وقوي من “حزب الله”. أما الاحتمال الاول فامكاناته معدومة بالنظر لانشغال الدول التي كانت مستعدة للمساعدة بقضاياها الداخلية. حقيقة الموقف الاميركي من لبنان وتكليف الحريري ضبابية. مرة ترسل للحريري انها بأقصى حد ستتعاطى مع حكومته كما سبق وتعاطت مع حكومة حسان دياب، واخرى تحذره من خلال المسؤول الأميركي ديفيد شينكر من مغبة تمثيل “حزب الله”. فعلى اي اشارة يتكل الحريري؟
اما تدخل “حزب الله” فقد يحصل في الوقت المطلوب لكن ليس قبل ان تنجلي الصورة دولياً ومن انتظر سنة له أن ينتظر أياماً وساعات. وبهذا المعنى بات الحريري كأنه متروك لقدره، ومصادره عادت تتحدث عن عودة “تيريز”. والاخيرة ليست الا اشارة الى عودة رئيس “الوطني الحر” الى مربع وزارة الطاقة القديم مرشحاً احد الموظفين لتوزيره، وهو ما خيب ظن الرئيس المكلف الذي كان اغلب ظنه ان الموضوع الحكومي سيكون محصوراً برئيس الجمهورية وحده. لكن مصادر “الوطني الحر” تنفي هذا الامر لتقول ان “التيار” لم يدخل في مفاوضات مع الحريري ولا يعرف ان كان ممثلاً في الحكومة او غير ممثل، لكن السياق الطبيعي يفترض ان يتولى مع تياره تحضير اسماء استباقاً في حال طرح الامر عليهم. وإذ تؤكد اجراء باسيل لقاءات مع مؤهلين لتولي حقائب وزارية، فإنها تضع ذلك في إطار كونه رئيس كتلة نيابية وطبيعي أن يستعد لمثل هذا الاحتمال من دون ان تكون له علاقة بطرح أسماء أو فرضها.