كتب عمار نعمة في “اللواء”:
دخل رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه في سنتهم الخامسة في الحكم وسط خيبة أمل عارمة لدى اللبنانيين من محصول زرع العهد ومن معه من أركان السلطة، وسط أشد أزمة إقتصادية ومعيشية منذ ولادة الكيان في ظل عقم ظاهر في النظام السياسي يولد الأزمات واحدة تلو الأخرى.
بين الكرسي والدور
حين وصوله قبل أعوام أربعة، كانت الظروف جد مختلفة عن الآن ولو كان الحديث ساريا حينها حول ظروف استثنائية يمر فيها لبنان تستدعي رئيسا قويا، وهو ما يعني شرعية شعبية مسيحية في الدرجة الاولى ليس على غرار رؤساء الجمهورية منذ استتباب نظام الطائف.
كان هذا الرأي السائد لدى المزاج المسيحي الأعم وخاصة «الثنائي الماروني» «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، كما غير المسيحي. وبذلك خرج المسيحيون رسميا، بعد أن خرجوا شعبيا، من واقع «الإحباط» الذي اتسموا به تحديدا منذ مقاطعة الانتخابات النيابية للعام 1992. وبذلك، يمكن اعتبار وصول عون الى الرئاسة نقطة التحول في التاريخ المسيحي الحديث.
لكن لدى المسيحيين أنفسهم كان هناك حذر من الإفراط في التفاؤل على قاعدة عدم الوثوق بموقف عون من الدستور اللبناني وخضوعه للأمر الواقع عبر قبوله بالطائف. ذلك أن الدور المسيحي في تأسيس الكيان اللبناني شكل شرطه العيش المشترك بين اللبنانيين برعاية الكنيسة المارونية.
كان الخلاف بين وجهتي نظر حول طبيعة دور المسيحيين. ذلك المتمرد على نظام الحكم السابق والصائغ لتحالفات جديدة قوامها الحلف مع القوة الاهم على الساحة أي «حزب الله» والمثير للمطلب الطائفي للمسيحيين بوصفه مطلب حق. ورأي آخر، بدأ متواضعا لكنه تصاعد مع افتقاد عون لغالبية حلفائه المسيحيين وخاصة بعد سقوط «تفاهم معراب»، يطالب بشدة بفك تحالفات تؤذي السيادة اللبنانية وبإعلاء «المواطنة المسيحية» قبل الانتماء الطائفي، بعيدا عن كرسي السلطة، بينما القضية تتجاوز ذلك بكثير الى دور يؤديه المسيحيون مع أشقائهم العرب المخاصمين بغالبيتهم للحزب، كما مع العالم.
على أن وجهتي النظر تشددان على العيش المشترك والسيادة والاستقلال وهي شعارات لطالما رفعها «العماد» ومن ثم «الرئيس» عون.
في السنوات الثلاث الاولى، ركز العونيون على إنجازات اعتبروها باكورة عهدهم وأهمها تثبيت الاستقرار الذي كان هشا قبل العهد. توقفت التفجيرات الامنية مع بعض النفاذ لبعض الجماعات، لكن تم القضاء على تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» وتحرير الجرود. لكن هؤلاء يعلمون تماما أن دور العهد كان توفير الشرعية الرسمية وتأمين الغطاء لعملية عسكرية شكل «حزب الله» عمادها. لكن يجب القول إن الامر ما كان ممكنا من دون قرار رسمي كبير إتخذه عون.
في موازاة ذلك، ثمة إنجازات أخرى مثل قانون الانتخاب الذي، وإن كان أفضل من ذلك الاكثري المجحف لشرائح كثيرة وهو تمكن من السماح للمغتربين بالتصويت ولو نظريا، الا انه لم يشكل نقلة نوعية الى الامام وقد رسخ الجانب الطائفي عبر الصوت التفضيلي. ويبدو من المستبعد تعزيز الجانب النسبي في القانون خشية خسارة مقاعد كثيرة بعد الانتفاضة الشعبية للبنانيين، ناهيك عن سؤال حول الجدية في إجراء الانتخابات أصلا بعد التراجع الدراماتيكي لجميع أركان السلطة وأولهم «التيار الوطني الحر» والعهد.
ومن الانجازات الموازنة المفقودة منذ سنوات طويلة، وتوفير مقاربة جدية لموضوع النازحين، ووضع لبنان على الخارطة النفطية، ويضيف إليها أنصار عون دعم موقف الرئيس سعد الحريري بعد إعلانه استقالته من السعودية قبل ثلاث سنوات.. وغيرها.
مسافة مع «حزب الله» وإحياء التسوية
لكن عون الذي فشل في محاربة الفساد أو هو لم يرد، كان على موعد في سنته الرابعة مع ضربة قاصمة للعهد مع اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول العام 2019 التي دفعته الى موقف الدفاع لصالح شعبية توجه بعضها نحو أخصامه المسيحيين، لكن معظمها ذهب إلى رأي عام مسيحي مستقل بات كافرا بكل أركان السلطة وبينهم من يعارضون عون تحت شعار «المواطنية المسيحية» بينما هم يصارعونه على السلطة ويطالبون بانتخابات مبكرة مثل «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب».
لذا، كانت انتفاضة اللبنانيين فرصة لم يقتنصها العهد، بل واجهها كغيره من أركان الدولة العميقة في لبنان الذين يتصرفون اليوم في تشكيل الحكومة وكأن حدث 17 تشرين بات من التاريخ أو أن انفجار المرفأ لم يشكل كارثة إنسانية للبلد.
وفي مواجهة مزايدات مسيحية حول كونه بيدقا في يد «حزب الله» والمطالبات بإعلاء شأن المؤسسات وفرض السيادة على كامل الاراضي اللبنانية، سيستمر العهد في الرهان على علاقته مع «حزب الله»، لكن مع الاحتفاظ بمسافة قد تبعد مع الايام عمن يوصمه العالم بالإرهاب، لكن من دونه لا يمكن لعون تأمين وراثة رئيس «التيار الحر» جبران باسيل للرئاسة. واذا كان الحزب لا يستطيع فرض مرشحه الى الرئاسة، فإنه قادر على منع غيره كما حصل مع عون نفسه قبل وصوله.
لكن للإنصاف أن العهد لا يتحمل وحده مسؤولية كل ما يجري من كوارث في البلاد، التي أتت كثمار عفنة لثلاثين عاماً من سوء الإدارة والفساد والتحاصص الطائفي والتناتش المالي من قبل الطبقة السياسية بكاملها التي جاء عون الى الرئاسة وأحد عناوينها محاربة تلك الطبقة. وقد لا تكون مسؤولية عون «والتيار الوطني الحر» بحجم مسؤولية أفرقاء آخرين أكثر عراقة في السلطة، لكنهما اشتركا فعليا في لعبة التناتش التي دخلا فيها على جوع للمناصب الطائفية التي برعا فيها حتى ظلم حصص الآخرين، من حلفاء وطوائف أخرى، في كثير من الفئات الوظيفية في الدولة.
وقد يلجأ العهد ومعه «التيار»، الى محاولة إحياء التسوية الرئاسية مع الحريري لإنقاذ عهده في ثلثه الاخير. وبينما سيركز الحريري على التعامل مع عون «رئاسيا»، من غير المستبعد إحياء العلاقة التحالفية ضمنيا مع باسيل، المرشح الطبيعي للرئاسة، وهذا بدافع من واقعية الحريري وقد تدفعه اليه الظروف الخارجية.
وانطلاقا من هنا، قد تنفع المهادنة «على القطعة» مع أخصام عون في الطبقة السياسية مثل الرئيس نبيه بري والزعيم «الاشتراكي» وليد جنبلاط لعدم هدر الوقت كما حصل في الماضي في معارك غير ذات طائل، بينما ستتمثل الخصومة مع زعيم «القوات» سمير جعجع ومثله زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية، أعداء الكار الواحد والطموحات الرئاسية.
وقد دشن عون أسلوبا جديدا هذه الايام مع عدم تنازله عن صلاحياته الرئاسية عبر توليه شخصيا مهمة الاشتراك في تأليف الحكومة وهو ما ساهم في افشال مهمة الرئيس المكلف السابق مصطفى أديب.