كتب طوني أبي نجم في “نداء الوطن”:
تهرّب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مُجدّداً من الحديث عن مفاوضات ترسيم الحدود الجنوبية بين لبنان وإسرائيل، في إطلالته الثانية منذ انطلاق هذه المفاوضات، وتذرّع ليل الجمعة بـ”ضيق الوقت”، وكأنّ موضوع هذا الترسيم والإعتراف بإسرائيل بات أمراً ثانوياً لا يستأهل 10 دقائق إضافية من وقته، ويمكن ببساطة تأجيله إلى كلام مُرتقب في 11 تشرين الثاني الجاري، إذا اتّسع وقته عندها!
لا يجد “حزب الله” حرجاً في ممارسة أقصى أنواع الديماغوجية والتقيّة في التعامل مع كلّ الملفّات المحرجة لصورته أمام جمهوره. أساساً، هذا الجمهور مُعدّ لأن يتلقّى الأمور المُعلّبة كما هي، ممنوع عليه أن يناقش وأن يسأل، وهو يردّد ما يقوله له “السيّد”، وينفّذ الأوامر من دون نقاش، ولو اقتضى الأمر الدفاع عن إسرائيل أو إشعال حرب أهلية في لبنان.
يرتاح نصرالله إلى استسلام الداخل اللبناني، بين جمهور تابع في فريق “8 آذار”، وجمهور ضائع لدى بقايا “14 آذار” بفِعل غياب إرادة المواجهة السياسية لدى قادة هؤلاء المنقسمين بين مستسلم ومتواطئ ومتخاذل وعاجز، بالرغم من أنّ الظرف الإقليمي والدولي قد لا يتكرّر ثانية، لناحية الثبات على إرادة تحجيم دور الحزب ونفوذه ورفض بقاء سلاحه، وهو يشبه بشكل كبير التقاطع الدولي الذي أدّى إلى إصدار القرار 1559، والذي لو لم يلاقه اللبنانيون في 14 آذار 2005 لما أمكن تنفيذه وإرغام جيش النظام السوري واستخباراته على الإنسحاب نهائياً من لبنان، بالرغم من كلّ الضغوط الدولية.
يرتاح نصرالله إلى الإستسلام الداخلي في لبنان لدرجة يسهل له معها تغطية مفاوضات الترسيم جنوباً “بين دولة لبنان ودولة إسرائيل”، كما قال حرفياً رئيس مجلس النواب نبيه بري، والتي سيترتّب عنها اعتراف لبناني، ببركة “حزب الله” ومن خلفه إيران، بحدود دولة إسرائيل، وبالتالي بحقّها في الوجود.
وإذا أضفنا إلى التهرّب من موضوع الترسيم وكيف وجد نصرالله الوقت الكافي للقفز من ملفّ الإساءة إلى رسول المسلمين، الذي طرحه من باب محاولة شدّ العصب، إلى التطرّق لملفّ الحوثيين في اليمن والهجوم على المملكة العربية السعودية، لأيقنّا أنّ الملفّات اللبنانية ليست موجودة ضمن أولويات الأمين العام لـ”حزب الله”، إلا بمقدار ما تخدم المشروع الإيراني، ولثبُت لنا بما لا يقبل أي شكّ أنّ المصالح اللبنانية غير مدرجة على جدول أعمال نصرالله نهائياً.
نعم، مساندة الحوثيين في انقلابهم واجب “إيراني” وتكليف شرعي، أمّا مساعدة اللبنانيين على تخطّي أزماتهم، من خلال تشكيل حكومة مستقلّين، والقيام بالإصلاحات اللازمة لإعادة النهوض بالإقتصاد والتخفيف من معاناتهم، فأمر لا يعني نصرالله لا من قريب ولا من بعيد. وتكفي الإشارة إلى أنّ ملفّ تشكيل الحكومة مرّ بشكل عابر وعرضي في كلام نصرالله، أو بالأحرى، ملفّ عرقلة “حزب الله” تشكيل الحكومة والذي أوكله الحزب شكلاً إلى رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، في حين أنّ من يُعطي الأوامر بالتسهيل أو بالعرقلة هو نصرالله، بناء على المصالح الإيرانية التي تقتضي في هذه المرحلة إنتظار نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية واتّضاح صورة ما بعدها، وهذا يعني تأجيل تشكيل الحكومة الجديدة أسابيع وربّما لمدة أشهر، ما يعني إطالة إقامة اللبنانيين في جهنّم الموعودة حتى إشعار آخر!