في حين كان يلجأ السوريون إلى أكلاتهم الشعبية المعروفة بطيب مذاقها ورخص ثمنها، كأحد الحلول السريعة والمتاحة، لشريحة واسعة منهم، لمكافحة الغلاء، صارت تلك الأكلات، حلماً بعيد المنال، بعد أن صار ثمنها، بعيدا عن متناول أيديهم، بسبب ارتفاع الأسعار الذي يصفونه بالجنوني، وقلة مداخيلهم بعد تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار.
الفلافل بـ 600 ليرة
وتعتبر الفلافل وأطباق الفول والحمّص، وجبات يومية للغالبية من السوريين الذين اعتادوا على تناولها، وساهم طيب مذاقها ورخص ثمنها، في السابق، بتحولها إلى تقليد يومي، لكثيرين، سواء في إفطار الصباح، أو طعام المساء، وحتى في بعض وجبات الغداء أو موائد إفطار شهر رمضان، إلا أن ارتفاع الأسعار في الآونة الأخيرة، جعل من مجرد سندويش فلافل، أو طبق فول أو طبق حمص، يتطلب ميزانية كبيرة، لم يعد بالإمكان توفيرها، للغالبية العظمى من السوريين.
الفلافل، وهي إحدى الأكلات الشهيرة، أصبح سعر القرص الواحد منها، الآن، 25 ليرة، ليصل سعر السندويشة الواحدة، منه، إلى 500 و600 ليرة، فقط، إثر ارتفاع أسعار مكوناتها الرئيسية، وعلى رأسها سعر كيلو الحمص، المكون الأساسي فيها، ووصول سعر صفيحة زيت القلي إلى 32 ألف ليرة.
الحمّص اللذيذ يعزّ على عشاقه
ويدخل الحمّص، في أكلات عديدة سورية مشهورة، كطبق حمّص المسبّحة، والحمّص المطحون، وبدورهما أصبحا طبقين مكلفين جداً، على الغالبية العظمى من السوريين، بعدما كانا من الأكلات اليومية المتاحة لهم. وبارتفاع أسعار المواد الداخلة في إعداد طبقي الحمّص السابقين، وهي الطحينة وزيت الزيتون، أصبح سعر طبق المسبّحة، وحده، بألفي ليرة، بعدما أصبح سعر كيلو الطحينة خمسة آلاف ليرة، ووصول سعر صفيحة زيت الزيتون عبوة العشرين لتراً، إلى ما يقارب المئة ألف ليرة، ليصبح سعر طبق المسبحة، متراوح السعر ما بين 1700 إلى 2000 ليرة.
ويشار في هذا السياق، إلى ارتفاع أسعار مختلف الأكلات المعتمدة على الحمّص، كالفتة السورية البسيطة المشهورة، والتي كانت بمتناول يد الغالبية، إلا أنها أضحت من الأطباق العزيزة النادرة على الموائد، حيث سجل سعر طبق الفتة بألفي ليرة.
الفول يحلّق
ويأتي الفول ليتمم الأكلات الشعبية السورية المعروفة، خاصة وأنه يتم إعداده، بأكثر من طريقة، كالفول بالليمون، أو الفول بالطحينة، أو الفول باللبن، أو الفول ممزوجاً بعدد من المكونات المختلفة السابقة. وفيما كانت الأسر السورية محدودة الدخل، تبتاع الفول مسلوقاً، بالكيلو غرام، ليتم إعداده لاحقاً، في البيت وفق المذاق الذي يفضلونه، وتوفيرا في السعر أيضا، أصبح سعر كيلو الفول المسلوق، وحده، بدون زيت وبدون توابل أو طحينة، بـ 1700 ليرة، وهو أمر يعجز عنه كثير من الأسر السورية، الآن، خاصة وأن سعر كيلو الفول الواحد، يزيد عن يومية الموظف في دوائر حكومته، بالقياس إلى مرتبه الذي يتراوح بين الـ 35 و60 ألفاً.
ويدخل زيت الزيتون، في إعداد مختلف أطباق الفول، يضاف إليها الطحينة والليمون، إلى جانب مقبلات من الخضار أو المخللات وأحيانا، حبات الزيتون نفسه، الأمر الذي يزيد من كلفة إنتاج هذا الطبق الواحد ليصل إلى أرقام كبيرة تفوق قدرة الكثير من السوريين.
في المقابل، عزّت سندويشة الفلافل، على كثير من السوريين، بعدما قامت حكومة النظام السوري، برفع سعر الخبز، يوم الجمعة الماضي، إلى الضعف، مع رفع سعر الدقيق، ليتم إضافة أعباء جديدة مرهقة، على أكلة كانت ملجأ الفقير أو المحروم أو محدود الدخل، فضلا من أنها من نوعيات الطعام المشهورة بطيب المذاق وسهولة التناول، حيث يمكن شراؤها من أي مطعم صغير، بين المنازل، أو على النواصي، وكان سعرها من “الفكَّة” أو “الفراطة” التي في الجيوب، لا من أوراق النقود الراقدة في المحفظة.
ويشار في هذا السياق، إلى أن الرواتب التي تدفعها حكومة النظام، للموظفين، وبحسب أسعار الأكلات الشعبية البسيطة، فهي بالكاد تكفي لتناول طبق فول واحد في اليوم، أو طبق حمّص بأنواعه. ويتقاضى حامل شهادة الدكتوراه، لدى تعيينه، قرابة 58 ألف ليرة، أي ما يسمح لصاحبه، بتناول طبق فول بطحينة أو بليمون، بعدما وصل سعره إلى 1800 ليرة، وسعر طبق الفتة، إلى 2000 ليرة، داخل المطعم، ما يعني أن الراتب الممنوح لحامل شهادة الدكتوراه، يؤمن لصاحبه ثمن وجبة واحدة تقريبا، من أكلة لا تزال تحمل صفة الشعبية، فيما الواقع يقول إنها تتحول، بالتدريج، إلى طعام للنخبة.