كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
يغيب رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عن الشاشة، ويختفي عن البصر والسمع وحتى عن تغريدات “تويتر”، ومع ذلك سرعان ما وُضع في قفص الاتهام: “المخرّب الخفيّ” لولادة الحكومة!
منذ تسمية سعد الحريري رئيساً للحكومة، يحرص الأخير على حصر مشاوراته المعلنة برئيس الجمهورية ميشال عون خشية فتح بازار الأخذ والردّ مع باسيل، على اعتبار أنّ التجارب السابقة أذاقته “زوم الزيتون”، فقرر التخفيف من “وجع الراس” وترك الأمور بينه وبين الرئيس، ولو أنّه يعرف لا بل متأكد أنّ بصمات رئيس “التيار الوطني الحر” حاضرة دوماً في القصر… ولهذا سرعان ما أسقطت عليه صفة التدخّل على نحو سلبي، ما فرمل مشاورات التأليف.
في الواقع، جسم جبران باسيل “لبّيس”، ومن الصعب التصديق أنّه اقتنع بالجلوس جانباً أو الاكتفاء بما قرر رئيس الحكومة المكلف منحه من حصة وزارية في زمن الافلاس والعوز الحكومي. ولهذا انصبت كل اتهامات العرقلة على شخص واحد ما دفع بالحريريين إلى التهديد برمي مسودة حكومية بوجه رئاسة الجمهورية، ومن بعدها لكل حادث حديث.
ولهذا كان الاعتقاد سائداً بأنّ الحريري كان بصدد التوجه يوم الأحد إلى القصر لتقديم صيغة من 18 وزيراً وضعها كما يراها مناسبة لتحريك المياه الراكدة، إلا أنّه في اللحظات الأخيرة عدل عن الأمر ومنح نفسه أياماً اضافية علّه يتمكن من تذليل العقبات قبل خوض اشتباك، لا يريده أصلاً مع الرئاسة الأولى.
ولكن العونيين يجزمون أنّ الحملة المبرمجة التي تطالهم، تقصد بشكل واضح تحوير الحقائق وحرف الأنظار عن العقد الجديّة التي تواجه التأليف، وهي غير مرتبطة أبداً بحصة رئيس الجمهورية أو بحصة “التيار الوطني الحر”. ويفنّد هؤلاء الوقائع على النحو التالي:
– في ما يخصّ العدد، يؤكدون أنّ رئيس الجمهورية لم يكن يوماً مصراً على عدد معين لا بل هو أبدى انفتاحه على طروحات رئيس الحكومة، الذي بدّل رأيه بين ليلة وضحاها بسبب اصرار رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط على حصر التوزير الدرزي به، أو بوزير ثان من طائفة ثانية، مع العلم أنّ “الثنائي الشيعي” كان أول من طالب بحكومة موسعة وذلك من خلال اصراره على عدم حصر التوزير الدرزي بالحزب “التقدمي”، منعاً لمنحه فيتو طائفياً قد يستخدمه في أي لحظة لمصلحة ضرب التضامن الحكومي. ما يبرئ ذمّة “التيار” في هذا الخصوص.
– في ما يخصّ الثلث المعطل، يشيرون إلى أنّ محدودية عدد الحكومة يمنح أي فريقين حليفين ثلثاً معطلاً كما أنّ لأي مكون طائفي هذا الفيتو وبالتالي هو ليس شرطاً أساسياً.
– في ما خصّ حقيبة الطاقة، أبدى “التيار” انفتاحه على التخلي عنها لكنه في المقابل يعتبر أنّه في حال حطّت المداورة في وزارة الطاقة، فلا بدّ أن تحطّ في غيرها أيضاً، ما يعني أنّ الخروج من الطاقة لا يمكن أن يكون بلا أي مقابل يوازيها أهمية، مع العلم أنّ “التيار” لم يشترط انضمام المالية الى المداورة.
المشكلة وقعت حين تبيّن أنّ رئيس الحكومة منح “شيكات” بلا رصيد عشية تسميته، ما أوقعه في الأفخاخ حين بدأ مشاورات التأليف. فعلى سبيل المثال، تعهد رئيس الحكومة بمنح حقيبة الطاقة إلى “تيار المردة” وهو لا يزال عاجزاً عن الوفاء بعهده، فيما جنبلاط مصرّ على حقيبة الصحة، وفق ما تفاهم عليه مع الحريري، لكن “حزب الله” يبدي تمسكه بها لاقتناعه أن تجربة الوزير حمد حسن كانت الأفضل وأنّ نتائج العقود والاتفاقيات التي وقعها، لن تظهر قبل العام المقبل ولذا غير مستعد للتخلي عنها.
في المقابل، فإنّ امكانية قبول الاشتراكيين بوزير ثان غير درزي يصطدم برفض الكاثوليك لهذا التمثيل، وبالتالي يبقى احتمال حصوله على وزير سني، وهذا شأنه مع رئيس الحكومة.
– في ما خصّ اشكالية الترشيحات، يؤكد العونيون أنّهم يطالبون بمساواتهم بالآخرين: فالثنائي الشيعي تفاهم مع الحريري على أن يصار الى الاتفاق على نوعية الحقائب، على أن يضعوا أمامه يوم التأليف مجموعة من الترشيحات ليختار ما يريده منها. فيما جنبلاط يسقط الأسماء التي يريدها. الا مع رئاسة الجمهورية قرر الحريري تقديم سلة أسماء ليختار منها الرئيس، مع العلم أنّ معظم الترشيحات التي رفعها، ومنها على سبيل المثال، لوزارة الداخلية، هي غير مستفزة للرئيس، لكنها في العمق محسوبة على غيره. ما يعني أنّ الحريري يتصرف على طريقة “ما لي لي، وما لكم لي ولكم”!
ينهي العونيون بنصيحة الحريري: “فتّش عن العقد في مكان آخر. ثمة أطراف غير مستعجلة وتعتقد أنّ استعجالك في التأليف قد يدفعك إلى تقديم المزيد من التنازلات. وعليك معالجة هذا الخلل”.