كتبت سمر فضول في “الجمهورية”:
حِملٌ ثقيل فرضَ نفسه على الواقع الاقتصادي المتهالك، لكن مع اقتراب الموجة الثانية لوباء كورونا وبلوغ المستشفيات سِعتها القصوى، عاد الحديث عن إقفال البلاد كليّاً من أسبوعين الى شهر، لكي تتمكّن الفرق الطبية والمستشفيات من الوقوف مجدداً. إلّا أنّ هذه المطالبة جُوبِهت برفض قاطع لدى «القطاع الإقتصادي» الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، فما الحلول الممكنة؟!
1390 – 1699 – 1750 – 1933 – 1850 هذه الإرقام هي نموذج عن الأعداد اليوميّة المسجلة، والتي تعلنها وزارة الصحة العامة يومياً للإصابات بفيروس كورونا، ما يؤشّر الى خَلل واضح في موضوع الإقفال الجزئي، خصوصاً أنّ عدّاد الإصابات الى تَزايد يومي.
هذا تماماً ما يؤكّده رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي، والذي يشير، عبر «الجمهورية»، الى أنّ «الإقفال الجزئي لم يساهم في خفض عدد الإصابات، لا بل على العكس شهدنا ارتفاعاً سريعاً في عدّادها».
ويعتبر أنّ سببَين هما وراء هذا الارتفاع: أوّلاً: عدم اتّباع الإجراءات في الأماكن العامة كالمطاعم والسوبرماركت والمولات واستمرار الأعراس.. وكذلك في الدوائر الرسمية. وثانياً: تقاعص الدولة عن اتخاذ التدابير اللازمة في حق المخالفين».
إقتصاديّاً
وأمام التضارب في الدعوات الى الاقفال، تطرح إشكاليّات عدة تتعلق بالاستنسابية المعتمدة في قرار إقفال المؤسسات العامة، فعلى سبيل المثال نجد أنّ أبواب كازينو لبنان بقيت مفتوحة على رغم خطورة الاكتظاظ بالروّاد يومياً، ما يسبّب نقل العدوى بوتيرة سريعة، مع العلم انّ ذريعة فتح الكازينو كانت الحاجة إلى أموال. لذلك، إذا كان الهدف جَني الأموال، فالإبقاء على أبواب مركز تسجيل السيارات، او ما يُعرف بالنافعة، مفتوحة مع مُراعاة الإجراءات الوقائية يَدرّ على خزينة الدولة يوميّاً نحو 30 مليار ليرة، ناهيك عن الدوائر الرسمية الأخرى التي تُدخِل الى الخزينة مليارات الليرات يومياً.
عشوائيّة القرارات يمكن استنتاجها أيضاً بوقائع على الارض، فنلحظ على سبيل المثال بعد إقفال يدوم أسبوعاً أو 14 يوماً، تَوافُد المواطنين وبكثافة الى الدوائر التي كانت مقفلة لإنهاء المعاملات والاشغال التي تراكمت عند الاقفال وبأعداد تفوق القدرة الاستيعابية للدوائر في أوّل يوم من إعادة الفتح، فإذا كانت الدائرة العقارية الواحدة تستوعب 1000 مواطن يومياً، نجدها في أوّل يوم بعد العودة تستقبل نحو 8000».
وفي السياق، يرى عراجي «أننا في حاجة الى أن نُوازِن بين الإقتصاد والصحة، ولذلك ناشَدنا بضرورة تطبيق الإجراءات الوقائية كمنع التجمعات والإلتزام بوضع الكمامة والتباعد الإجتماعي… وتالياً، لكي نتمكن من الإبقاء على فتح المؤسسات ولا نلجأ الى الإقفال. لكن تبيّن أننا بتنا نخسر الإثنين معاً الإقتصاد والصحة، ولم يعد في الإمكان الموازنة والاستمرار بهذه الطريقة».
ويطرح عراجي عدداً من الحلول، يرى أنها «الأنسب لتفادي الكارثة» المقبلة، فيقول: «لا يمكن لكثير من اللبنانيين أن يأكلوا اذا لم يعملوا. لذلك، نرى أنّ على الدولة مساعدة هذه الطبقة من الناس، فبدلاً من أن تصرف 220 مليون دولار شهرياً على السلّة الغذائية، يمكنها أن تَجد صيغة أخرى لتوزّع هذا المبلغ على المياومين فيتمكّنوا من تلبية حاجاتهم في ظلّ الإقفال، وذلك أقلّه لمدة شهر، مع تطبيق الإقفال الجدّي، بحزم وصرامة، أو الاتجاه الى تطبيق صارم للإجراءات بواسطة القوى الأمنية ليُبنى على الشيء مقتضاه».
أمّا لجهة فتح الدوائر الرسمية، فيطرح عراجي «المداورة داخل الوظائف الرسمية» لعدم تعطيل أعمال الناس.
شمّاس
وفي المقابل، يرى رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شمّاس، أنّ «سياسة الإقفال أثبتت فشلها مع اقتراب عدّاد المصابين الى حدود الـ 100 ألف»، مطالباً بالنظر الى الأضرار الإقتصادية «لأنّ السياسة المتّبَعَة أدّت الى تراجع النشاط الإقتصادي بنسبة 80 %، خصوصاً أنّ هذه الفترة تزامنت مع الانهيار المالي والنقدي وانفجار المرفأ».
ويؤكّد شماس لـ«الجمهورية» أنّ «الهيئات الاقتصادية التزمت حتى النهاية قرار الإقفال الكلّي والجزئي لأنها تأخذ موضوع كورونا على محمل الجدّ، خصوصاً أنها تُدرك اضطرارها الى التَعايش مع هذه الجائحة أشهراً أو حتى سنوات». ويعتبر أنّ «الدولة قَصّرت في تجهيز أقسام كورونا والعناية المركّزة في المستشفيات، حيث عمدت الدول الأخرى بين شهر 3 و11 الى مضاعفة الأسِرّة المخصصة لأمراض كورونا، بينما لم يحصل هذا الأمر في لبنان». لذلك، يرى أنّه «لا يمكن أن نُحَمّل 4 ملايين لبناني إخفاق الدولة في تجهيز المستشفيات».
وإذ كرّر شماس رفض الإقفال في المطلق «لأنه لم يحدّ من انتشارالوباء وتفشّيه»، رأى «أنّ الحلول واضحة، فأوّلاً: تجهيز المستشفيات، وثانياً: الوقاية والالتزام بالإجراءات الوقائية، وثالثاً: الاقتصاص من المخالفين عبر تنظيم محاضر ضبط». وختم: «نحن مع أيّ مقاربة تُوازِن بين الموجبات الصحية والمقتضيات الاقتصادية، لذلك نطالب الحكومة الجديدة بتقديم مقاربة عقلانية».
أمنيّاً
ووسط الضغط الإقتصادي، يترقّب اللّبنانيون كلّ يوم أحد قرار وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي المتعلّق بإقفال عدد من القرى والبلدات، والتي تسجّل نِسَباً عالية في الإصابات.
لكن، وعلى أرض الواقع، اذا لم تتخذ البلديات الإجراءات المناسبة يبقى التسَيّب سيّد الموقف، ويعود لكلّ صاحب مؤسسة أو مقهى أو مطعم أو حتى مدرسة الإلتزام بقرار وزير الداخلية من عدمه، باستثناء الدوائر الحكومية المُجبرة على التزامه.
وينقل عراجي عن فهمي قوله انه «غير قادر على تطبيق إجراءات الإقفال المطلوبة وحده، فهو في حاجة لمساعدة الناس، خصوصاً لجهة الإلتزام، ولإبعاد الوساطات التي يقوم بها عدد كبير من السياسيين لدى عِلمهم بقيام القوى الأمنية بإقفال أي مؤسسة مخالفة».
وانطلاقاً من هذا الواقع، يُطالب عراجي «بتضافر جهود المجتمع كله، لأنّ المشكلة تكمن في عدد المصابين الذين باتوا يحتاجون الى غُرَف العزل أو العناية الفائقة، لأنّ أعدادهم تضاعفت بنحو مُقلق في الأسبوعين الأخيرين».