كتبت مريم مجدولين لحام في صحيفة نداء الوطن:
توقّع اللبنانيون تكرار سيناريو “تحوّل موسم الشتاء من نعمة إلى نقمة”، في ظاهرة باتت سنوية، مع ما يصحبها من إنقطاع للكهرباء وللإنترنت، نتيجة غياب السياسات الرشيدة وفشل منظومة التصريف والبنية التحتية، وعدم استعداد غرف الطوارئ والبلديات للأمطار. ولكن ما لم يضعه أهل بيروت في الحسبان، هو عدم التعافي النفسي الكامل للناجين من الدائرة الأقرب لإنفجار مرفأ بيروت، والتي يبدو أنّها وشمت أنفسهم حتى ربطوا بين “أصوات الرعد” الأولى ومأساتهم التي نجوا منها جسدياً فقط.
بين معاناة الشعب من عوارض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، ومع زخّات المطر الأولى، توجّهت الأنظار إلى البنى التحتية للوطن المنكوب على كلّ الأصعدة، وتخوّف الغالبية من تكرار مأساة كل سنة، أو التحوّل الطبيعي لشوارع البلاد من طرقات إلى أنهر، تجرف معها ما تيسّر من النفايات المتراكمة، أو تقطع عنهم الطريق تتويجاً لإهمال الوزراء المتعاقبين على وزارة الأشغال. وانتشر وسم “#بأول_شتوة” على “تويتر” بين الناشطين وتوقّعاتهم لهذا الفصل… فهل سيتغيّر الوضع هذا العام؟!
التكرار لا يعلّمنا
يبدو أنّ لبنان مغرم بـ”حكاية إبريق الزيت” ويعشق الروتين السلبي. فمع “أوّل شتوة” فعلاً، سقط مبنى في المدوّر من جرّاء العاصفة والأمطار الغزيرة، وطاف نهر عدوة في الضنية، وتشكّلت سيول في بلدة قبعيت العكارية، محوّلةً الطرقات العامة بحيرات أعاقت الحركة المروريّة وأدّت إلى قطع طريق عام جرد القيطع. وقد شهدت طرق البترون حوادث سير عدّة جرّاء انزلاق المركبات والسيارات بسبب سوء البنية التحتية لطرقاتها، فانحرف باص ينقل طلاباً بعد انزلاقه على الطريق البحرية قبل نفق حامات، واستقرّ إلى جانب الطريق، واقتصرت الأضرار على الماديات.
أمّا في حريصا الكسروانية، فوقع تصادم بين 3 مركبات على الطريق العام، أدّى أيضاً إلى أضرار مادية. ضعف الإستعداد هذا للشتاء، بأمطاره الغزيرة وعواصفه وسيوله، يمكنه أن يتسبّب بكوارث بدل أخذ الحيطة منها، فيما تغرّد السلطات خارج السِرب تماماً. فقبل أسابيع مثلاً، طلب رئيس الجمهورية كعادته السنوية، من وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الاعمال ميشال نجّار، الإيعاز بالإسراع في تنظيف الأقنية والمجاري على الطرقات العامة، تلافياً لحصول فيضانات تنتج من هطول المطر بغزارة خلال فصل الشتاء، فأكّد نجّار له أنّ فرق عمل الوزارة تقوم بهذه الأعمال على مختلف الطرق الرئيسية. أما الواقع فيبدو مختلفاً مع غياب المال طيلة فترة حكم الوزير نجار، الذي وجد صعوبة في تطبيق خطة مستدامة لرفع النفايات من المصافي على مدار الأشهر. فقد استقالت الحكومة ولم يكن قد استلم الوزير أي اعتماد أو دولار من الإعتمادات الحالية أو من الموازنات السابقة التي طالب بتدويرها. ومنذ حوالى الأسبوعين والنصف، صرفت لها اعتمادات من وزارة المال بقيمة 199 مليار ليرة فقط. وعليه، بدأت أعمال التنظيف والتجهيز “السطحية” على قدم وساق، وذلك من دون تعبيد الطرقات أو إغلاق “الجوَر” لعدم كفاية المبلغ المرصود.
مخاوف أهل بيروت
أما وقد انفجر مرفأ بيروت، وتضرّرت معه بيوتها التراثية ومباني سكّانها، لم تعد البنى التحتية المهترئة ولا طرقات لبنان المعرّضة للغرق ما يشغل بال المواطنين فقط، بل اتّجهت المخاوف إلى مساكن المتضرّرين من الإنفجار، حيث بالرغم من الجهود الأهلية الواسعة لإعادة إعمار بيروت عقب انفجار المرفأ، فإن سكان المناطق المنكوبة يسابقون الزمن ومع ارتفاع الدولار، على أمل إنجاز عمليات الترميم قبل بدء فصل الشتاء الذي سيجبرهم على التوقّف قسراً عن كل الأعمال.
سقط مبنى غير مأهول في المدور
وتشرح خيرية العالية، وهي من سكّان مار مخايل – النهر، لـ”نداء الوطن” أنّ الأمطار الأولى كانت بمثابة جرس إنذار لها ولكلّ أصحاب البيوت في المناطق المتضرّرة، وقد أرتهم عيّنة عمّا يمكن أن تؤول إليه الأمور قريباً”. وتتابع “بيتي يواجه الإهراءات مباشرة، وقد تضرّر بشكل كلّي، ولو كنت أستطيع البقاء فيه لبقيت، ولكنّه غير صالح للسكن حتى الآن، واليوم أنام عند ابنتي، وأذهب بشكل يومي للإشراف على الأعمال الترميمية التي تقوم بها جمعية “فرح العطاء”، وأنا مرعوبة من فكرة عودة موسم الشتاء، لأنّ “السقّالات” لا تزال موضوعة على المبنى، وبيوتنا ما زالت غير صالحة للسكن، وأخاف من أن يُرغمهم الفصل الممطر على التوقّف عن العمل”. وختمت: “لا أخفي عنكم، أغلب الجيران بدأوا يشعرون بوطأة الوضع القادم وبصعوبة عودة المناطق المنكوبة إلى ما كانت عليه، كما ازداد التخوّف من مصير المباني الآيلة للسقوط في المناطق البعيدة بعض الشيء عن موقع الإنفجار، والتي تلقّفت الإنفجار ولكن لربّما تضعضع وضعها بشكل لا يُرى”.
طرق مقطوعة بالسيول
بالإضافة إلى الجهود الأهلية وتطوّع الكوادر الشبابية، أخذ الجيش على عاتقه عملية الإشراف على عمليات إعادة الإعمار في المناطق المتضرّرة، مُشكّلاً غرفة طوارئ متقدّمة، تعمل على تحديد مواقع الحاجة والتنسيق والدعم. الا أنّ هناك شكوكاً من أنّ كلّ ذلك لن يكون كافياً قبل بدء فصل الشتاء، لترميم ما قدّرته غرفة الطوارئ وبلدية بيروت، بالتعاون مع الأمم المتّحدة للمستوطنات البشرية، بنحو 60 ألف وحدة سكنية، بينها 10 آلاف مبنى تضرّر من الإنفجار، وأكثر من 6800 مبنى تعرّضت لأضرار خفيفة، و208 بنايات أصبحت غير آمنة للسكن، و7 بنايات انهارت بالكامل. وفي هذا الإطار، يذكّرنا المتطوّع في إحدى المؤسسات التي ساهمت بعمليات الترميم علاء عرقجي في حديث مع “نداء الوطن”، بأنّ “لبنان يدخل في شهر تشرين الثاني، حيث تصادف الذكرى السنوية الثانية لتقّدم نواب بيروت ببلاغ للنائب العام لدى محكمة التمييز حول الفيضانات التي شهدتها شوارع العاصمة اللبنانية سنة 2018، عقب انفجار مجاري الصرف الصحي نتيجة ضغط المياه من دون أي تقدّم يُذكر في الملفّ”. ويكمل: “كلّ المتطوعين يعملون بجهد، في سباق مع الوقت قبل اشتداد الأمطار، وقد أهابت كلّ الجمعيات، من دون استثناء، بالمحافظ وبرئيس البلدية وبوزير الأشغال والمسؤولين في بيروت، اتّخاذ التدابير والاستعدادات اللازمة مبكراً لتأمين سلامة أرواح المواطنين والمنشآت، والمحافظة على شبكة الطرق. ولكنّ السؤال هنا، هل يمكننا أن نترك أهلنا في بيروت بعهدة هذا الطلب وهم يمثّلون السلطة نفسها التي وضعت ملفّ الدعوى القضائية التي ذكرتها لكم، في الجارور؟”.
من جهتها، تقول المتضرّرة جيزيل صباغ، وهي من سكّان منطقة كرم الزيتون، لـ”نداء الوطن” إنّ بيتها بات صالحاً للسكن، وقد تمّ إصلاح ما هدمه الإنفجار في “داخل المنزل فقط، إلا أنّ الكوارث في خارج نطاق المبنى، وفي الطريق تحديداً، فقد “طافت الدني” عند أول شتوة، وأغلقت بعض الطرقات المؤدّية إلى البيت، ومن المتوقّع أن تتعرّض بيروت قريباً لكمّيات هائلة من الأمطار، ما يمكن أن يؤدّي إلى انسداد الطرق الرئيسية فيها وغرق عدد من المناطق، ولا سيّما منها المتضرّرة حالياً”.
لطالما وظّف سياسيو العهد الحالي، كلمة “إعادة الإعمار” بـ”السرقة والإتّهام”، واستخدموا الحقد على تميز العاصمة كعصبية لصراعات خدمت استبدادهم. واليوم، وبعدما فضح انفجار بيروت تغلغل سمومهم في نظام أهلك أول ما أهلك أهل العاصمة… هل سيحمل الشتاء لأبناء بيروت ثورة في زخّاته أم إبراء مستحيلاً؟