كتبت نوال نصر في صحيفة “نداء الوطن”:
حين حكى النائب المستقيل نديم الجميل قبل اقل من ثلاثة أشهر عن سرقة “الكاتاليزور” من السيارات الحديثة وإرسالها الى إيران ضحك كثيرون، ولم يصدق آخرون، وهناك من راحوا يهاجمونه مستخدمين شتى المرادفات. ومرّ ما قال مرور الكرام. حدث هذا بينما كان الكلام يدور حول سؤال: من فجر بيروت؟ وسأل سائلون: هل أخطأ الشيخ نديم في ما قال؟ وما نفع سرقة “الكاتاليزور” الذي لا يبالي به 99,999 في المئة من مالكي المركبات في لبنان؟
أول الأسبوع، وبينما كانت المحامية المتدرجة سارة ماضي تركن مركبتها في موقف السيارات قبالة قصر العدل في بعبدا حصل ما تردد على لسان الجميل، بعدما أعطت مركبتها الى “الفاليه باركينغ” وأخبرتهم رداً على سؤالهم أنها ستعود بعد ساعتين. أنهت المحامية مرافعتها في أقل من ساعة وعادت ولم تجد سيارتها وأخبرها العاملون في الموقف أن دولابها كان على الأرض وذهبوا لإصلاحه، لتتبيّن لاحقاً أنهم سرقوا “الكاتاليزور”. فهل تحقق ما قاله نديم الجميل؟
المحامية سارة وجدناها البارحة في كاراج السيارات مع شقيقتها. هي أيضاً فقدت “الكاتاليزور” الذي في سيارتها. الشقيقتان المحاميتان وقعتا معاً في مصيدة السارقين. لكن، كيف ستتابع سارة الموضوع؟ تجيب “أقف في موقف السيارات نفسه منذ أربعة أعوام. ولم أكن أعرف من قبل أن في السيارة هذه القطعة. لكن، بعدما لم أجد سيارتي وبدأت بالصراخ على العاملين في الموقف، أتى زميلي المحامي وطلب مني بعد وصولها أن أتفقد “الكاتاليزور”. فعل هذا هو وقال لي: “هناك تلحيمة جديدة”. حينها اضطر العاملان للإعتراف بفعلتهما، وهما لبنانيان وعرفنا أن المبلغ الذي تقاضوه هو 590 دولاراً لا 400. “ثلاثتهم الآن رهن التوقيف. والبحث عما إذا كان هناك تواطؤ بينهم وبين شبكة أكبر”. وماذا عن نصيحتها اليوم كمواطنة سُرقت تحت عين الشمس وكمحامية؟ تجيب “يهم ألا يثق احد بأحد لأن العالم جوعانة ومستعدة أن تبيع لحمها من أجل الحصول على دولارات طازجة”.
“كنز” في السيارة
صاحب شركة لبيع السيارات المستعملة في بيروت يُخبر عن أهمية هذه القطعة “هناك من يأتون طالبين شراء سيارة، وبدل أن يفحصوا محركها وينتبهوا الى أناقتها، ينزلون تحتها يفحصون هذه القطعة، وإذا أعجبتهم يشترون ثم ينزعون منها “الكاتاليزور” ويبيعونها من دونه. أصبحت هذه القطعة تُحدد تجارة السيارات في لبنان منذ فترة”. ماذا يفعلون به؟ يجيب “الله وأعلم ولكن الأمر بات ملفتاً لي والى أصحاب المعارض”.
جورج ع. ذهب لإجراء معاينة ميكانيكية هو ووالده فقالوا لهما في مصلحة المعاينة، السيارتان بلا “كاتاليزور”. فأين ذهبا؟ يُخبر جورج هذا شارحاً البحث الذي أجراه حول أهمية وجود هذه القطعة قائلاً “هي قطعة موجودة في السيارة دورها التخلص من الغازات السامة الناتجة عن احتراق الوقود وانبعاثات الغازات الخطرة على الصحة العامة. وجود هذه القطعة مهم من أجل الصحة، وفي العالم يغيرونه كل سنتين مرة أما هنا فلا أهمية له بما أن التلوث “ضارب اطنابه”. وكاراجات الميكانيك والحدادة والبويا باتوا يسرقونها ليقينهم أن أصحاب المركبات قلما ينتبهون لها ويقول “العالم لا يعرفون أهميتها وحتى يمكن سرقتها أثناء غسيل السيارة بسهولة”. وفي المعاينة قالوا له إن ثلاثة أرباع السيارات هنا باتت، هذه السنة بالتحديد، من دونها. والبارحة، منذ يومين، قصد كاراجاً فعرض عليه شراء هذه القطعة بمبلغ خمسمئة دولار أميركي لكنه ابتسم لصاحبه وقال له: أخذوها… فهل نحن أمام مافيا جديدة من نوعها؟
إيلي الكاتاليزور، هذا ما يلقب به صاحب أحد الكاراجات في بيروت، يعرض فيه على أصحاب المركبات شراء هذه القطعة في السيارات القديمة، قائلاً لهم إن لا منفعة منها. فهل هي زيادة عدد؟ وإذا لم يكن منها نفع فلماذا تُسرق من سياراتنا؟ يجيب “كون هذه القطعة تحتوي على معادن أغلى من الذهب، على البلاديوم والبلاتينيوم والروديوم، وثلاثتها مطلوبة كثيراً لسعرها المرتفع وكون تصديرها الى الخارج يعود على السارقين بدولارات طازجة. وبكم يشتري ايلي الكاتاليزور الواحد؟ يستخدم صاحب الكاراج تطبيقاً على الإنترنت يُحدد بحسب الرقم الموجود على القطعة ثمنها ويقول “هناك كاتاليزور سعره 50 دولاراً وهناك آخر بألف دولار”.
هناك إذاً من يشتري ويبيع وهناك من يسرق هذه القطعة من سياراتنا من دون أن ننتبه لفقدانها إلا متأخرين. فهل السبب فقط الحصول على دولارات طازجة؟ النائب المستقيل نديم الجميل خارج البلاد وهو قال ما قال. فلنتحقق أكثر مما قال. فهل صحيح أن المواد المعدنية التي تحتويها هذه القطعة تلزم في مسائل أبعد من ثمنها؟ هل صحيح أن العقوبات المفروضة على سوريا وإيران جعلت من سرقة هذه المواد ضرورة الآن أكثر من أي أوان؟ عميد في الجيش اللبناني يحوّل السؤال الى خبير في المتفجرات والجواب هو: “صحيح ما قيل أن بعض هذه المواد التي يحتويها الكاتاليزور تستخدم في مواد إستشفائية وفي صناعة المجوهرات لكن هناك من يستفيد منها أيضاً في تحويلها الى مادة متفجرة. مادة الروديوم مثلاً تستخدم لهذه الغاية لكن بسبب سعرها المرتفع فقلة يفكرون في ذلك، فسعر الغرام الواحد من هذه الماة يزيد عن 421 دولاراً أميركياً. ويمكن أن تحتوي السيارات الحديثة على غرامين من هذه المادة. والسارقون يعرفون تماماً أهميتها”. فهل سياراتنا تتشارك في إعداد المتفجرات؟ هل هناك من يعمل بالفعل على الإستيلاء على هذه القطعة الثمينة وإرسالها خارج الحدود؟ النائب الجميل قال هذا. كثيرون يهمسون بهذا. أما ما ثبُت بحسب خبير المتفجرات أنه يمكن بالفعل استخدام بعض مكونات هذه القطعة في صناعة المتفجرات. لكن، هناك من لفت الى أنه لو صحّ ذلك لكانت السيارة انفجرت خلال تلحيم عادم السيارات “الاشابمان”؟ السؤال وجيه لكن الجواب عليه هو أن من خصائص المواد التي يحتويها الكاتاليزور قدرتها على التفاعل مع درجات حرارة عالية جداً تفوق 500 درجة مئوية. ويلفت هنا أحد الخبراء بالقول “تستخدم محفزات الروديوم والبلاتين في إنتاج أكسيد النيتريك والمواد الخام للأسمدة والمتفجرات وحمض النيتريك”. هي مواد طبيعية، تحتاج خلطتها الى مخوخ تفهم بالكيمياء، ويحتاج الإستيلاء عليها الى “أيدٍ طويلة” تمتد حتى تحت عين الشمس على قطعة نملكها ولا نعرف قيمتها. لكن، منذ اليوم، فلنأخذ الكلام الذي صدر عن النائب المستقيل بجدية أكبر. ولنراقب “الكاتاليزور” في سياراتنا كما نحرص على قطعة مجوهرات باهظة.