Site icon IMLebanon

حكومة الحريري ترسم تحالفات مرحلة ما بعد العهد

كتبت رلى موفّق في “اللواء”:  

لا أحد من القوى السياسية يتعامل مع ملف تأليف الحكومة على أنها «حكومة مهمة» آتية لمدة ستة أشهر لتطبيق الورقة الإصلاحية التي خطّتها المبادرة الفرنسية، ولو كان الرئيس المكلف سعد الحريري قدَّم وعوده استناداً إلى هذه المقولة.حتىإنفرص تحقيق هذا الهدف معرَّضة بقوة لنكسة يوماً بعد يوم بفعل التطورات المتسارعة الخارجية والتي من شأنها أن تحرفَ الاهتمام الدولي الذي انصب على لبنان تضامناً معه بعد كارثة مرفأ بيروت. فمع عودة تفشي وباء كورونا في أوروبا وذهاب دول عدة إلى الإغلاق من جديد، والتحديات التي تفرضهاالأعمال الإرهابية على خلفية التطرّف الإسلامي والمتنقلة هناك، ومع انشغال أميركا في النزاع على الانتخابات الرئاسية والذيسينعكس على إدارتها، سيتراجع الاهتمامبلبنان وسيقل الزخم الخارجي تجاهه.

اللاعبون الداخليون ينظرون إلى الحكومة المُوكل تكليفها للرئيس سعد الحريري على أنهاالحكومة الأخيرة للعهد الذي ما زالت أمامه سنتان، وينطلقون في حساباتهم من أنها الحكومة التي ستتولى إدارة البلاد إذا حصل فراغ رئاسي قبل انتهاء السنتين، حتى إن انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون لا يعني حكماً الذهاب مباشرة إلى انتخابات رئاسية. فتعطيل الاستحقاقات الدستورية سبق أن استُخدم بالاتّكاء على وهج السلاح وفائض القوة كورقة ضغط تحقيقاً لمكاسب سياسية، وهو أضحى عاملاً لا يمكن تجاهله عند المفاصل الأساسية في البلاد، ولا من التحسّب له.

من هنا، يرى متابعون أن تأخّر التأليف يندرج جزء منه في إطار الحسابات الخارجة عن المهمة الإصلاحية التي يُفترض أن تقوم بها الحكومة، لتصل إلى رسم التحالفات للمرحلة المقبلة، ومحاولة كل طرف ضمان توفركل عناصر الأمان فيها. ثمة تأكيد، على مقلب «الثنائي الشيعي»، أن لا عوائق استراتيجية أمام عملية التأليف، ولم يتمّ المجيء بالحريري لنصب الأفخاخ والكمائن له. كانت هناك رغبة في انتظار ما ستُسفر عنه الانتخابات الأميركية من نتائج. ليستالرغبة في حقيقة الأمر محصورة فقطبـ»حزب الله» وراعيه من خلفه الذي يستخدم لبنان ورقة في الصراع الأميركي- الإيراني، إنما أيضاً من قِبَل رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي يعلم علم اليقين بوجود عقوبات جاهزة ضده في جعبة الإدارة الحالية، وهي عامل أساسي آل إلى لجمه بعدما جرى تأخير موعد صدورها، ويُراهن على أن ينجح في تجنبها والإفلات منها إذا تحقق وصول الرئيس الديمقراطي جون بايدن الأكثر ليونة باعتقاده من سلفه دونالد ترامب.

أي زلّة في «الطاقة» و«الصحة» ستُفقد الرئيس المكلّف فرصة الدعم الدولي

ما هو أكيد أن باسيل الذي مال مع العاصفة لبعض الوقت، عاد للتشدّد من خلف رئيس الجمهورية. طالب عونبأن يحصل فريقه السياسي على «الثلث المعطل». تركيبة 18 وزيراً والمقسّمة على ثلاث قوى رئيسية لا تُعطيه ما يرغب به، فيما تُقرّبه حكومةالـ20وزيراً من تحقيق مطلبه معتوزير حليفه الدرزي طلال أرسلان وحَصْدِ مقعد كاثوليكي إضافي لصالحه. تولى «حزب الله» إيصال الرسالة لعون بأن «الثلث المعطل» مُحقّق من خلال التحالف القائم بين الجانبين، ولا قبول لأن يحظى أي فريق لوحده بذلك. ويُفترض أن تكون هذه الصفحة قد طويت، لكن مسألة الحقائب والأسماء لا تزال عالقة، وتُشكل حقيبة الطاقة عقدة من جديد.

باتت فكرة الإصلاح برمتها مرتبطة بوزارة الطاقة. هي في معيار الدول المانحة منطلق الإصلاح، والجدّية تبدأ من خروج هذه الحقيبة من أيدي «التيار الوطني الحر». هذا مطلب فرنسي واضح من الرئيس المكلف، وتعايشَ باسيل مع الفكرة وتقبّلها قبل أن ينقلب مُصعّداً ومطالباً بالحقيبة وطارحاً اسم أحد الموظفين في الوزارة في تكرار للسيناريوهات السابقة. المطلب الآخر الذي لا يقل أهمية هو وزارة الصحة التي يجب ألا تبقى في خانة «حزب الله» وخصوصاً أن هناك مساعدات ستأتي لصالح هذه الوزارة تصل إلى حدود النصف مليار دولار. يُدرك الحريري ضيق الخيارات لديهفي ما خص الحقائب التي تقيّدها شروط فرنسية وأميركية ودولية، وستكون تحت المراقبة اللصيقة.فأيزلة في هذا الإطار ستجعله تحت وطأة فقدان فرصة الدعم الدولي لمساعدة لبنان.

الاعتقاد السائد حتى اللحظة هو أن لا قرار فعلياً بإطلاق سراح التأليف. وصلت نصائح للحريري بأن يضع حداً للمراوحة ومحاولات تقطيع الوقت الذي يستنزف البلاد المُنهكة، فيودع في عهدة رئيس الجمهورية تشكيلته الوزارية وفق تصوّره الذي سبق أن تشاور به مع كل الأفرقاء المعنيين مباشرة أو بالواسطة. وليأخذ الرئيس قراره في شأن قبول هذه التشكيلة أو رفضها، وليتحمل مسؤوليته السياسية والمعنوية إزاء الداخل والخارج.

لكن الذهاب إلى هكذا خطوة سيُعيد التشنج بين الرجلين إلى سابق عهده، بما له من انعكاسات سلبية، فيما يدور في الكواليس سؤال حول موقف «حزب الله» الفعلي، وأسباب عدم تدخله لدى حليفه تسهيلاً لتأليف الحكومة؟ سؤال يقابله سؤال آخر على مقلب «الحزب»، عن أسباب عدم طلب الحريري منه التدخل إذا كان يرغب بذلك؟

المأزق الراهن أن لا قوة ضغط شعبية داخلية بعد تشتّت «ثورة 17 تشرين» وفقدانهالقدرتها على التأثير راهناً، فيما الحماسة الخارجية إلى تآكل وستزداد مع مرور الوقت. أما الانهيار، فسيدخل مستويات جديدة.

كان يُفترض أن يرأس الحريري حكومة تُخفّف من وقع الأزمة، يتولى إداراتها في ربط نزاع إيجابي مع المرحلة الجديدة الآتية بملامح غير واضحة بانتظار جلاء المشهد الإقليمي والدولي، غير أن الصورة قد تكون أصبحت أكثر تعقيداً.