كتب جورج بشير في “الجمهورية”:
وبعيداً من الصراع المستميت الذي حصل على هامش الانتخابات الرئاسية الاميركية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وبين الفيل والحمار، وبين دونالد ترامب وجو بايدن، بصرف النظر عمّا حصل على هذا الصعيد، فإنّ الاميركيين احزاباً ومسؤولين وإعلاميين وسياسيين، لم يظهر بينهم من رفع صوتاً معارضاً لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، كما حصل في لبنان، حيث تمّ إرجاء البحث بإجراء الانتخابات النيابية الفرعية، لملء المقاعد النييابية الثمانية، التي شُغرت في مجلس النواب، بعد استقالة النواب: (مروان حماده، نعمة افرام، ميشال معوض، بولا يعقوبيان، سامي الجميل، نديم الجميل، الياس حنكش، هنري حلو).
المبرّر الذي انطلق منه الاميركيون، للإصرار على ان تجري الانتخابات الرئاسية التي احتدمت بشكل كبير، بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، اي بين ترامب وبايدن، هو انّ الانتخابات استحقاق دستوري، وان يكن في ظلّ انتشار وباء «كوفيد- 19»، الذي قاربت إصاباته في لبنان رقم الـ2000 في اليوم، فيما قاربت أعداد المصابين بهذا الوباء في الولايات المتحدة الاميركية الـ80 ألفاً ونيف في اليوم مع عدد الوفيات. ومع ذلك، فإنّ الانتخابات الرئاسية الاميركية أُجريت في موعدها الدستوري، من دون ان يتجرأ احد على المطالبة بتأجيلها كما حصل في لبنان، لأنّ أياً من الحزبين لا يتوجس خيفة من النتائج التي ستفرزها هذه الانتخابات على وضعه، او على مرشحه للرئاسة، او على مرشحيه لمقاعد مجلس الشيوخ وحكام الولايات وغيرها من المناصب. لماذا: لأنّ الدستور يكرّس حق المواطنين في اختيار ممثليهم في الموعد المحدّد من دون أي ابطاء، بما في ذلك التذرّع بالأزمة السياسية او الصراع الداخلي، ورغم انّ الصراع على اشدّه بين الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي، وبين دونالد ترامب وجو بايدن، والذي انعكس من الناحية الأمنية، بإقدام اصحاب المتاجر والمؤسسات الاقتصادية والمالية في البلاد، على تحصين ابواب متاجرهم ومؤسساتهم بألواح حديدية وخشبية، خشية تعرّضها لأضرار من جراء حصول اعمال شغب وعنف كما أُعلن. أما المبرر الآخر الذي تسلّح به واستظلّه الناصحون او المطالبون «من خلف الستار» بعدم إجراء الانتخابات النيابية الفرعية في لبنان، لملء المقاعد النيابية الثمانية التي شغرت في مجلس النواب، كان انتشار وباء الكورونا في لبنان. فيما انتشار هذا الوباء في طول الولايات الاميركية وعرضها لم يسبق له مثيل في هذه الدولة العظمى، ومع ذلك فإنّ الانتخابات جرت في موعدها الدستوري واعتُمدت طرق ووسائل غير مسبوقة لإجرائها، كالتصويت عبر البريد الالكتروني او التصويت المسبق، قبل الموعد المحدّد رسمياً للانتخابات بأسبوع أو أقل ، من دون ان يقوم اي احتجاج في وجه وزير الداخلية الاميركي او في وجه الدوائر التي تحضّر العملية الانتخابية، وتعمل على تحصينها، ومنع ان تشوبها اية شائبة، بعيداً من أي تدخّل او تأجيل مباشر، يسيء الى سلامة الممارسة الديمقراطية، كما حصل مع وزير الداخلية في الحكومة اللبنانية المستقيلة (حكومة الرئيس حسان دياب)، الذي دعا الهيئات الانتخابية الى اجراء الانتخابات النيابية الفرعية في المناطق اللبنانية، التي اصبح تمثيلها في البرلمان اللبناني غير مكتمل بفعل خلو أو شغور 8 مقاعد في البرلمان، باستقالة النواب المشار اليهم.
ربما كان لأزمة انفجار مرفأ بيروت المروع وتداعياته، تأثيرها على الوضع الداخلي. وكذلك الامر بالنسبة لانتشار وباء الكورونا في بيروت والمناطق اللبنانية. لكن هذا كلّه، بما فيها الازمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، لا يُعتبر مبرّراً كافياً للحؤول دون ان يجري الاستحقاق الدستوري في موعده، كما فرضته احكام الدستور اللبناني . وإلّا، لماذا ندعو دوماً للمحافظة على صلاحيات هذا الرئيس او ذاك المسؤول، ما دام الدستور منتهكاً في نظر المراقبين، في اختيار من يجب ان يمثلهم في مجلس الأمة، وملء المقاعد النيابية الشاغرة؟ وهذا الحق يعلو ولا يُعلى عليه، اذا ما اردنا تطبيق الدستور بحزافيره.
قد يقول البعض انّ الوضع في لبنان لا يشبه الوضع في اميركا. والنظام اللبناني مختلف كثيراً عن النظام الاميركي، وانّ البعض في لبنان يتطلع الى اجراء انتخابات نيابية مبكّرة، لتغيير الاغلبية النيابية الحاكمة. وكأنّ هذه الاغلبية لا تكون اكثرية وفق النظام الديمقراطي، إلّا اذا كانت اعمالها ووجودها يصبّان في حضن هذه الفئة السياسية او تلك، من الفئات المتصارعة على مراكز النفوذ في لبنان عبر المحاصصة.
يا عيبنا امام التاريخ، وامام شباب لبنان واجياله الطالعة الذين دمّر الطاقم السياسي والحزبي في لبنان مستقبلهم وتطلعاتهم .
مبروك للاميركيين الذين اعطوا امثولة حيّة في الممارسة الديمقراطية، وفي الحرص على تطبيق احكام الدستور، رغم الصراع الكبير بين الفيل والحمار. وندعو لبقاء الاميركيين على ايمانهم بالديمقراطية وبممارستها الصحيحة، آخذين دروساً مما وصل لبنان اليه نتيجة الخلل بهذه الممارسة، والعبث بالدستور واللعب على حبال القانون.