Site icon IMLebanon

“غارة أميركية” تُحرّر “الحزب” وتقضي على أحلام باسيل الرئاسية

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

في وقت يراقب لبنان بشدّة تطورات الإنتخابات الرئاسية الأميركية مثلما يفعل الشعب الأميركي وبقية شعوب العالم، أتت “غارة أميركية” من نوع آخر في وقت لا يتوقعه أحد، إذ فرضت إدارة الرئيس دونالد ترامب عقوبات على رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل.

تعتبر هذه العقوبة الأكبر منذ بدء فرض عقوبات على حلفاء “حزب الله”، وإذا كانت العقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس قد غيّرت مسار العلاقات اللبنانية – الإسرائيلية، ودفعت محور “حزب الله” وحركة “امل” إلى القبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الإسرائيلي للإتفاق على ترسيم الحدود، فمن شأن العقوبات على باسيل أن تؤثّر على السياسة الداخلية اللبنانية لأعوام.

وفي حال بقي ترامب في البيت الأبيض أو فاز منافسه الديموقراطي جو بايدن، فان العقوبات الأميركية باتت أمراً واقعاً وليست متعلقة بهوية الإدارة في واشنطن، وبالتالي فإنّ باسيل أصبح في وضع لا يُحسد عليه، وخسر كثيراً من نقاط قوته.

منذ إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الاول 2016 يُروّج باسيل ويعمل لأن يكون خليفته، وقد جرّب أساليب عدة، الأسلوب الأول هو شبك أكبر مروحة من التحالفات، أما الأسلوب الثاني فدخوله في صدام مع الجميع للقول إنه الرئيس القوي و”ليس هناك من صداقة إلا بعد خصومة”.

في بداية العهد كان باسيل محصّناً ويشبك علاقات مع الطرف المسيحي في “إتفاق معراب”، أي “القوات اللبنانية”، وكانت العلاقات على أتمّها ولم يحصل أي صراع علني، وكذلك، رسم علاقات طيبة مع الرئيس سعد الحريري لدرجة أن الاخير نسي تحالفه مع “القوات”، وبات باسيل صديقه وحليفه الأول وأعلن عن هذا الأمر في بلدة رأسنحاش البترونية ذات الأغلبية السنية، حيث قال الحريري أمام الجماهير قبل الإنتخابات النيابية بأيام: “صوتكم التفضيلي بالبترون لجبران صديقي”.

وما كان ينطبق على “القوات” إنطبق أيضاً على “حزب الله” حيث بقي باسيل حليفه الأول على رغم “الطلعات والنزلات” في العلاقة، كما أنه تقرّب من رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط بينما بقيت العلاقة متوترة مع الرئيس نبيه بري.

لكن باسيل سرعان ما قلب كل هذه التحالفات إلى صدامات، فانفجر “إتفاق معراب” واتهمته “القوات” بالإستئثار والتراجع عن الوعود والإتفاقات، من ثمّ إنكسرت الجرة بينه وبين الحريري وانقلبت العلاقة إلى هجمات متبادلة لا تزال تردداتها تظهر اليوم من خلال تأليف الحكومة، وأتت حادثة قبرشمون لتطيح التفاهم العوني – الإشتراكي، فيما حاول أن يأخذ من “حزب الله” تعهداً بدعمه لمعركة الرئاسة كمرشح وحيد مثلما فعل مع عمه عون.

وبما أن الأمور تتعرقل داخلياً، فقد أتت الصدمة من واشنطن بعد فرض العقوبات على باسيل، والأمر هنا لا يتعلق بالتداعيات المالية لقرار العقوبات بل بتأثيره السياسي، فهذا القرار حسب كثر قد قضى على آمال باسيل بالوصول إلى بعبدا، لأنه من غير المنطقي أن تقبل الولايات المتحدة الأميركية برئيس تضعه على لائحة العقوبات، كما أن قوى أساسية لن تتجرأ على القيام بهذه الخطوة وتعرّض نفسها هي الأخرى للعقوبات.

ويبدو أن القرار الأميركي على قساوته قد يريح “حزب الله” نوعاً ما، إذ إنه لم يعد مجبوراً باعطاء باسيل وعداً رئاسياً، وإذا فعل ذلك وأصر على انتخابه، فان لبنان سيتحول إلى جمهورية يحكمها رجل اسمه على لائحة العقوبات الأميركية ونصبح أقرب إلى النموذج الفنزويلي، وبالتالي فان هذا الامر إنتحار.

وهناك نقطة أساسية في العقوبات وهي أن باسيل شكّل منذ توليه وزارة الخارجية في شباط 2014 عاملاً مستقطباً لرجال الأعمال اللبنانيين في الخارج والداخل، ومنهم من بات في كنف “التيار” بعد إستبدال المناضلين برجال الأعمال، وبالتالي فان هذه العقوبات ستجعل هؤلاء يفكرون ألف مرة قبل الدخول في مشروع باسيل ودعمه لئلا يصبحوا على لائحة العقوبات. ومن جهة أخرى، فان عدداً كبيراً من المسيحيين لديهم مصالح في أميركا والغرب، وبالتالي فان هذه الخطوة الأميركية ستجلب رد فعل عكسياً على باسيل لأن أحداً لا يريد ان يُعزل ولا يستطيع الذهاب والعمل سوى في طهران او دمشق.

وإذا كانت العقوبات هي بسبب قرب باسيل من “حزب الله” إلا انه صدر وفق قانون ماغنيتسكي، وهذا يعني أنه يطاول ملفات تتعلق بالفساد أيضاً وليس فقط لأمور سياسية، وبالتالي فان كل محاولة باسيل تلميع صورته خصوصاً بعدما كشفت ثورة 17 تشرين حقيقة صورته، لن تؤدّي إلى أي نتيجة، فما حصل ضربة كبيرة لمستقبل باسيل السياسي، ويحتاج إلى أعوام ومراحل كي يصحح علاقته مع الأميركيين، ما يعني أيضاً أن كل مسيحي يراهن على دعم “حزب الله” للوصول إلى حلم الرئاسة يسبح عكس التيار وسيعاقب بسيف العقوبات.