كتب أنطوان الأسمر في صحيفة اللواء:
كان يكفي اللبنانيين إنقسامهم بين دونالد ترامب وجوزف بايدن ليكتمل المشهد السوريالي، في بيروت كما في واشنطن. تفرّق هؤلاء بين يمين (14 آذار تحديدا) يؤيد الولاية الثانية لترامب بحثا عن مزيد من الضغط على حزب الله وتقويض نفوذه، وبين جمهور قوى 8 آذار الذي بات يرى في بايدن المخلّص والقاضي على سياسات الرئيس الاميركي القائمة على تكثيف الضغط على إيران وأذرعها. ومن سخرية القدر ان غالبية الجمهورَين المتفرقين، لم تطّلع على المانيفيست الإنتخابي لكل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ولا تفقه شيئا في طبيعة عمل المنظومة الأميركية. فللـEstablishment والدولة العميقة ولوبيات الضغط التأثير الأكبر في صنع السياسات العامة. ولذلك المثلث القدرة على وضع ما يُعرف بسياسات الـ bipartisanship، أي تلك التي يتفق عليها الحزبان الأساسيان بصرف النظر عن خلافاتهما وإنقساماتهما العميقة في المسائل الداخلية وبعض المسائل الخارجية. وغالبا ما يكون هذا النوع من الاتفاقات العابر لخصوصية كل من الحزبين قائما على سياسة خارجية، كمثل مجابهة الخطر الصيني على الأمن القومي الأميركي، وكمثل تبدية المصلحة الإسرائيلية، وجعلها على الدوام حجر الأساس الذي يحرك السياسة الأميركية في الإقليم. ولا شك أن إيران هي الخطر الاكبر الذي يتهدد إسرائيل راهنا.
1-من الواضح أن فوز ترامب بولاية ثانية يعني إستمرار الضغوطٍ الشديدة على إيران لإجبارها على التفاوض على شكل جديد للإتفاق النووي يفترق كثيرا عن ذلك الذي وضعته إدارة باراك أوباما وألغاه خليفته بجرّة قلم. ومن المتوقع ان يشمل التصعيد المزيد من العقوبات ومن الضغط على أذرعها، وأبرزها حزب الله في لبنان وقوات الحشد الشعبي في العراق، الى جانب الاستمرار في الحملة المستدامة لزيادة عزلة إيران التي قد تجد نفسها في حصار افتراضي جديد للسنوات الأربع المقبلة، ستواجهه إما بتكثيف مقاومتها وإما بإبداء الإستعداد للبحث في شروط التفاوض، ربما في إستعادة لإستراتيجية كوريا الشمالية. كما ستواصل الإدارة الأميركية ضغطها لتقويض الجسر العسكري والسياسي عبر شمال الشرق الأوسط، من إيران عبر العراق إلى سوريا، وصولا إلى لبنان حيث ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ولمزيد من فهم السياسة الاميركية في ظل ترامب، يتوجب التوقف عند رغبته في تسمية أحد أبرز مستشاري البيت الابيض ريتشارد غرينيل، وزيرا للخارجية خلفا لمايكل بومبيو. وغرينيل معروف بتوجهاته المحافظة والصارمة، وخصوصا تجاه إيران وسياساتها التوسعية في المنطقة.
2-أما فوز بايدن بالرئاسة، فتتوجب العودة الى مانيفست الحزب الديمقراطي لتبيان توجهاته في المنطقة. إذ من المتوقع أن تمنح الإدارة الجديدة «الأولوية للديبلوماسية النووية، ولخفض التصعيد، وللحوار الإقليمي، ووقف سباق الحرب مع إيران». كما من المتوقع أن تعود الى الاتفاقية النووية مع إيران، المعروفة بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، والتي ورد في المانيفيست أنها «لا تزال أفضل وسيلة لتحقيق» خفض التصعيد، إذ هي كانت «نجحت في قطع كل مسارات إيران إلى قنبلة نووية بشكل يمكن التحقق منه». لذك سيعمل بايدن على «العودة الى الامتثال المتبادل بالاتفاقية كأمر مُلح للغاية».
ويمكن إستشراف خريطة عمل الإدارة حيال إيران من خلال كلام ادلى به، جيك سوليفان، وهو أحد كبار مستشاري السياسة الخارجية لبايدن، والذي كان أحد مهندسي الاتفاق النووي. إذ هو في معرض إشادته بالجدوى الذي جاءت به سياسة الضغط على إيران، يدعو الى «تأسيس شيء على غرار «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ولكن البدء فوراً بعملية التفاوض على اتفاق لاحق». وذلك يعني أن إدارة بايدن ستسعى إلى إعادة الارتباط بالاتفاق النووي، لكن بجداول زمنية مطولة، من شأنها معالجة ما يسميه سوليفان «إمكانية تعزيز العناصر الأخرى التي تعلمناها فيما بعد».
ومن المرجّح أن يبقى أي إتفاق مع إيران محصورا بالمسألة النووية، مع إمكانات ضيقة للغاية في ما خص السلاح الباليستي. لكن من المستبعد أن يتطرق الى النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما رفضت طهران أن يكون موضع بحث إبان مفاوضات الاتفاق النووي الملغى.
أما لبنان فورد فقط في فقرة مختصرة في مانفيست الحزب الديمقراطي الى جانب الأردن، لجهة ضرورة «دعمهما بما يحفظ أمنهما، بإعتبارهما يضمان عددا غير متكافأ (وعدد السكان) من اللاجئين».