لم يكن ينقص مسار تشكيل الحكومة المعرقَل غير القادر على تخطي مطبات شروط القوى السياسية التي سمت الرئيس المكلف سعد الحريري وتلك التي لم تسمه، سوى العقوبات الأميركية على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل المتوقع ان تنعكس سلبا على الحكومة الموعودة. لكن، وعلى أهمية الاجراءات الأميركية التي قلبت الأمور رأسا على عقب منذ بدء الكلام عنها أمس، إلا أن بعض أصحاب النظرة الواقعية إلى مجريات المشهد السياسي في لبنان، يعرفون أن العقوبات المستجدة ليست بالأمر المستغرب من جانب إدارة الرئيس دونالد ترامب، خصوصا وهي تحاول انتزاع النصر الصعب من المرشح الديموقراطي جو بايدن.
لكنهم يعترفون في المقابل، على حد ما تقوله مصادر سياسية معارضة لـ “المركزية”، إن الوقت المستقطع حكوميا في انتظار انقشاع سحابة العقوبات على باسيل، سيستفيد منه حزب الله لزرع العراقيل على طريق تنفيذ المبادرة الفرنسية، مع العلم أن بعض المراقبين يستغربون مسارعة الضاحية إلى تفخيخ المبادرة، على رغم كونها المنفذ الوحيد للحزب المكبل بالعقوبات إلى المجتمع الدولي. حيث أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لا يزال يغرد وحيدا في مجال اعتبار الحزب مكونا سياسيا يمثل شريحة من المجتمع اللبناني.
لكن المصادر السياسية الآنفة الذكر تجد لهذا التصرف تفسيرا يمكن اعتباره منسجما مع دوران الثنائي الشيعي في فلك ايران، صاحبة المواجهة المفتوحة مع المجتمع الدولي، على الأقل في انتظار تحديد هوية الرئيس الأميركي المقبل. ذلك أن حزب الله الذي تفرد في الاعتراض على أحد بنود المبادرة الفرنسية، مخالفا بذلك الاجماع اللبناني الذي سجله اجتماع قصر الصنوبر، لا يخفي الخشية من أن تتحول المبادرة الفرنسية بابا لعودة الحضور الفرنسي القوي في الساحة اللبنانية، بما قد يفضي إلى تقويض النفوذ الايراني فيها، وهو ما لا تريده الضاحية، مع العلم أن التعطيل الحكومي يأتي في وقت يعول فيه كثيرون على أن تعود الحكومة الجديدة إلى الورقة الاصلاحية التي كان الفريق الوزاري الأخير برئاسة الحريري قد أقرها غداة إندلاع ثورة 17 تشرين، وإن كان فشل في إرضاء الجموع الغاضبة آنذاك.
على أي حال، فإن المصادر تبدي خشيتها من أن يؤدي الامعان في إغراق المسار الحكومي في حرب المطالب والمطالب المضادة إلى الاجهاز التام على المبادرة الفرنسية، خصوصا أن فرص إعادتها إلى الحياة تبدو ضئيلة على وقع إنشغال عرابها الفرنسي بمحاربة التطرف الاسلامي والارهاب الذي عاد يفتك بالقارة العجوز، ما يشكل خطرا كبيرا على القيم الانسانية والديموقراطية التي ترفع رايتها.