كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
قال مصدر سياسي لبناني إن رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، أراد في رده على العقوبات المفروضة عليه من وزارة الخزانة الأميركية، الدخول على خط المشاورات الجارية بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري، للالتفاف على المواصفات التي ينطلق منها الأخير لتسريع ولادتها، مع أنه أشار إلى أن فرض العقوبات قد يكون سبباً للإسراع في تشكيلها، ما يُنذر بالعودة إلى المربع الأول، أي نقطة الصفر، في حال تبنى عون شروطه، ولقي تأييداً من «حزب الله» الذي يرفض الضغط على باسيل قبل صدور العقوبات، وبالتالي لن يتركه وحيداً بعد صدورها لئلا ينفرد به خصومه.
فباسيل حرص في رده، أمس، على العقوبات على تأكيد أنها تستهدفه على خلفية خياراته السياسية، وعدم رغبته بفك ارتباطه بـ«حزب الله»، لتمرير رسالة لحليفه بأن العقوبات ستُستخدم للإخلال بالتوازنات الداخلية، وتحديداً من قبل خصومه للإدارة الأميركية الراحلة التي تستعد لمغادرة البيت الأبيض بعد الهزيمة التي مُني بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على يد منافسه جو بايدن.
لذلك أصر باسيل -كما يقول المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط»- على إقحام التداعيات المترتبة على العقوبات الأميركية المفروضة عليه في المشاورات الجارية بين الحريري وعون، رغم أن اجتماعها الأخير لم يحقق أي تقدم، وبقيت المواقف المتباينة من تشكيل الحكومة على حالها، لأن الأجواء التي سادت الاجتماع حالت دون تخصيص الوقت الكافي لاستكمال النقاش بينهما، إذ إن «شبح» العقوبات كان حاضراً بامتياز على الأقل من جانب عون.
وفي هذا السياق، لفت المصدر نفسه إلى أن باسيل أوحى بأنه مع تسهيل تشكيل الحكومة، لكن بشروطه التي يعتبرها بمثابة خريطة طريق، محذراً من أن عدم الالتزام بمعايير واحدة تُعتمد في تشكيلها سيؤخر ولادتها، وأن من يؤخرها يتحمّل المسؤولية، وهذا ما يشكّل انقلاباً على المعايير التي ينطلق منها الحريري.
وقال المصدر إن الحريري لن ينساق لشروط باسيل، إن لناحية عدد الوزراء أو لجهة تسمية الوزراء، وسيكون له الرد المناسب، وربما إلى ما بعد استكشافه لموقف عون للتأكد ما إذا كان مطابقاً لوجهة نظر باسيل أم أنه على استعداد للتمايز عنه، مع أن هناك من يستبعد أن يتركه وحيداً، بل سيبادر إلى احتضانه.
ورأى أن الحريري سيبني، في ضوء الموقف النهائي لعون، على الشيء مقتضاه، وسأل ما إذا كان الرئيس المكلف سيذهب هذه المرة للقائه حاملاً بيده تصوراً أولياً لتشكيل حكومة من 18 وزيراً ولم يعترض عون على حجمها، وإن كانت جهات مقرّبة منه أوعزت بأنه أعاد النظر بموقفه استجابة لطلب باسيل.
ومع أن المصدر السياسي لم يجزم ما إذا كان الحريري على استعداد للموافقة على توسيع دائرة الاستثناءات، لجهة عدم تطبيق المداورة في توزيع الحقائب بحذافيرها، في ضوء ما أخذ يروّجه خصومه من أنه سيبقي على حقيبة الداخلية من حصة الطائفة السنّية، فإن مصادر نيابية أخذت تلوم الحريري على تردّده في التقدّم من عون بمشروع تشكيلة وزارية لاختبار رد فعله لقطع الطريق على ربط تأليفها بالعقوبات التي استهدفت باسيل.
وأضاف أن العقوبات لم تفاجئ الوسط السياسي، وكانت متوقعة، وهذا ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار، خصوصاً أن البلد لا يحتمل تمديد المراوحة في مشاورات التأليف، وإلا كيف تُصرف الأجواء الإيجابية التي يتحدث عنها عون بلسان مكتبه الإعلامي، وحتى في مقابل عدم صدور أي تعليق عن الحريري، ولا على لسان مكتبه الإعلامي؟
وأكد المصدر أن «حزب الله» لن يفرّط بعلاقته بباسيل، وسيلاقيه في أول الطريق، بغية توفير كل الدعم له لأن العقوبات التي استهدفته جاءت لأسباب سياسية تتعلق بتحالفه معه، وبالتالي سيرد عليها بتشديد تحالفه معه، وصولاً إلى تصدّيه لكل من يحاول إضعافه في التسوية المعقودة على تشكيل الحكومة، وتحويله إلى لقمة سائغة للآخرين.
وقال إن «حزب الله» سيشكل رأس حربة لتعويم باسيل، ولن يسمح بمعاقبته أو الاقتصاص منه، تحت عنوان إضعافه في التشكيلة الوزارية، حتى لو اضطر للدخول في تباين مع حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يضغط لإخراج مشاورات التأليف من المراوحة. ونُقل عن مصادر نيابية قولها إن التقدّم بمشروع تركيبة وزارية من شأنه أن يضغط باتجاه إعادة تحريك المشاورات التي ما زالت تدور في حلقة مفرغة، إضافة إلى أنها تختبر ميدانياً رد فعل عون.
وسأل إذا كان «حزب الله» يحرص على توفير الحماية السياسية لباسيل في وجه العقوبات، والتعامل معها كأنها لم تكن، فالأحرى بعون أن ينبري ليس للدفاع عنه فحسب، وإنما للقتال إلى جانبه ليكون الحاضر الأول في الحكومة العتيدة، وهذا يعني أن رئيس الجمهورية في حال قرر دعم باسيل على بياض سيُقحم نفسه في اشتباك سياسي مع الحريري الذي لن يعتذر عن التكليف، ويصر على أن تستجيب الحكومة العتيدة للمبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان، وبالتالي ليس هناك ما يمنعه من أن تتشكل من وزراء تكنوقراط مائة في المائة، لا شبهات تحوم من حولهم.