لن تشبه جلسة مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل برعاية اممية ووساطة اميركية والتي تنعقد بعد غد الاربعاء في الناقورة، ايا من سابقاتها، ليس في الشكل ولا ربما في المضمون بل في الاجواء التي ستخيم عليها نتيجة المستجد من تطورات على صلة بالعقوبات الاميركية التي فرضتها واشنطن للمرة الاولى على رئيس اكبر حزب مسيحي، حزب رئيس الجمهورية ميشال عون، وصهره النائب جبران باسيل، اضافة الى نتائج الانتخابات الاميركية التي اتت لمصلحة منافس الرئيس دونالد ترامب، جو بايدن، بما تعني من تقلبات على مستوى التعاطي الاميركي مع قضايا المنطقة ولبنان واسرائيل من ضمنها. صحيح ان العقوبات منفصلة في مسارها عن مفاوضات الترسيم التي يقودها عن لبنان وفد تقني-عسكري يضم خبراء لا يتعاطون السياسة، بيد ان احدا لا يخفى عليه ان انعكاسات العقوبات لا بد ان تطال الملف من ناحية التشدد اللبناني الممكن ان يؤدي الى العرقلة فيما لو تصلب كل طرف وتمسك بموقفه في النقطة المتعلقة بالمساحة المتفاوض عليها وقد حددتها واشنطن بـ860 كيلومترا فيما يطالب لبنان بـ2450 كلم.
وقبل ان يطل امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله مساء الاربعاء ليقول كلمته في سلسلة ملفات شائكة وطارئة، اي في اعقاب جلسة التفاوض، ابلغ الجانبان الاممي عبر ممثل الامين العام للامم المتحدة السفير يان كوبيتش والاميركي عبر السفيرة دوروثي شيا عون “استغراب المسؤولين من موقف لبنان المفاجئ في الاجتماع الاخير للمفاوضات والتشدد في مطلب الحصول على مساحة الـ2450 كلم، والخروج عن الاتفاق -الاطار الذي اعلنه الرئيس نبيه بري نتيجة جهد كبير بذله الموفد الاميركي فريديرك هوف منذ عشر سنوات”. فلماذا تبدّل موقف لبنان؟
وفيما ترد اوساط الوفد اللبناني على ادعاء خروج لبنان عن الاتفاق-الاطار المتفق عليه بالقول ان المفاوضات تعني التفاوض من دون شروط مسبقة فيطرح كل فريق ما يعتبره حقا له مستندا الى وثائق ومعطيات، تشرح لـ”المركزية” ان الوفد اعدّ ملفاً مكتمل العناصر، حول الحقوق اللبنانية نوقش بكل تفاصيله ووثائقه، مع الجهات اللبنانية الرسمية في اجتماعات كثيرة. وفي العام 2007، وقّع لبنان وقبرص اتفاقية حول تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما. تم تحديد تلك الحدود بخط وسط مؤلف من ست نقاط، من النقطة الرقم (1) جنوبا حتى النقطة الرقم (6) شمالا. لم تحسم هذه الاتفاقية إحداثيات النقطتين الرقم (1) والرقم (6) أي طرفي خط الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، بل ترك الأمر إلى حين استكمال ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة اللبنانية من جهة الشمال مع سوريا، ومن جهة الجنوب مع اسرائيل، والتي تتقاطع في كل جهة مع امتداد خط الوسط الذي تم الاتفاق عليه بين لبنان وقبرص. وفي عام 2009، استكملت الدولة اللبنانية ترسيم حدودها الشمالية والجنوبية وأصبحت هذه الحدود مع قبرص تمتد جنوبا الى النقطة (23) بدلا من النقطة (1)، وشمالا الى النقطة (7) بدلا من النقطة (6). لاحقا، استغلت اسرائيل هذه الثغرة في الاتفاقية بين لبنان وقبرص لناحية ترسيم حدودهما انطلاقا من نقطة موقتة يمكن تعديلها لاحقا وهي النقطة الرقم (1)، وبدلا من أن يرسّم حدوده مع قبرص اعتبارا من النقطة (23)، بدأ بهذا الترسيم اعتبارا من النقطة (1) حتى النقطة (12). وفي تموز 2011، عمد العدو الى ترسيم حدوده البحرية مع لبنان بخط يبدأ من رأس الناقورة حتى النقطة (1) بدلا من النقطة (23)، وأبلغ الأمم المتحدة بهذا الترسيم، ويكون بذلك قد خلق منطقة بحرية متنازعا عليها تقدر بحوالى 860 كلم2.
لكن الدراسات التي اعدها خبراء لبنانيون، تضيف اوساط الوفد، اعطت لبنان مساحات إضافية جنوب خط الناقورة – النقطة 23، تصل الى حد 1430 كلم مربعا. فهل من المنطق التنازل عنها ام رفع سقف المطالب من خلال التفاوض لتحصيل الحد الاقصى الممكن، لاسيما ان المرسوم 6433 المادة 3 يتيح لنا اعتماد طرق اخرى توفر للبنان مساحات اضافية، اذا ثبت الحق فيها؟
واذ تشدد على ان وظيفة الوفد العسكري اللبناني تنحصر بالتفاوض فقط ولا علاقة للمفاوضات بما يحصل على الساحة السياسية، فيما يعود القرار النهائي الى السلطات السياسية مع ابداء الرأي، توضح الاوساط ان المفاوضات اذا نجحت وتم ترسيم الحدود ستشكل اهم خطوة على المستوى الاستراتيجي منذ الاستقلال، وتأخذ لبنان الى مكان آخر مع بدء استخراج الغاز وتاليا ضخ الاوكسيجين في عروق الاقتصاد وانعاش الوطن، على امل الوصول الى ذلك اليوم.