Site icon IMLebanon

شماس: الانهيار في سوريا سبب الانهيار في لبنان وليس العكس

كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:

أدّى تهاوي القطاع التجاري بعد سلسلة الضربات التي تلقاها، وليس آخرها انفجار مرفأ بيروت، الى تغيير وجه لبنان بلمح البصر، وبتراجع حجم الاعمال 80 في المئة وانسحاب 40 في المئة من العلامات التجارية من لبنان، وهذا الرقم مرشّح للارتفاع الى 60 في المئة مطلع العام. فأيّ دور للقطاع التجاري في المرحلة المقبلة؟ وما هي السُبل لمواجهة هذا الانهيار الكبير؟

وصف الأمين العام للهيئات الاقتصادية رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس المسار التجاري في السنوات العشر الأخيرة بالكارثي، حيث مرّ القطاع بـ3 مراحل أوّلها عام 2011 مع بدء الحرب في سوريا حيث كان لبنان في عزّ فورة اقتصادية وتجارية نتجت عن تسوية الدوحة، فاستبدل خلالها السائحين بالنازحين الذين دخلوا في مضاربة غير مشروعة مع القوى العاملة اللبنانية ما أدى الى خروج عامل لبناني مقابل كل دخول عامل سوري الى سوق العمل، ونَتجَ عن ذلك فقدان القدرة الشرائية لدى اللبناني تدريجاً. كما عانت القطاعات الإنتاجية من المنافسة غير المشروعة التي زعزعت أسسها رويداً رويداً.

امّا بداية المرحلة الثانية فكانت في العام 2017 مع إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته من السعودية، والتي أدّت الى اضطراب كبير في أسواق المال وخروج الرساميل من لبنان وارتفاع الفوائد بشكل حاد، وقد أضيفت اليها خطيئة سلسلة الرتب والرواتب التي سبق وحذّرنا من انّ إقرارها سيؤدّي الى كارثة مالية بسبب عدم توفّر الموارد المالية لتغطيتها، أضف الى ذلك انّ سُبل إيجاد هذه الموارد كان عن طريق فرض سلة من الضرائب ما لبثت ان انعكست سلباً على كل زوايا الاقتصاد وأصابَته بالشلل، وصولاً الى المرحلة الثالثة التي تجلّت بأحداث 17 تشرين الأول حيث وقع الانهيار الشامل بعد إقفال المصارف وتوقّف إمكانية تحويل الأموال الى الخارج وبدء مَسار هبوط العملة الوطنية وانعدام القدرة الشرائية للبنانيين.

واعتبر شماس انّ وَقف التحويلات الى الخارج أصاب القطاع التجاري في الصميم، «بعدما عجزنا عن دفع موجباتنا الى الموردين الذين كانوا يريدون منّا مليارات الدولارات. كل هذه العوامل أدّت الى مذبحة تجارية مع تسجيل خروج أعداد كبيرة من الماركات العالمية من السوق اللبنانية تِباعاً، ما تَسبّب بمأساة اجتماعية واقتصادية وإنسانية وضربة قوية لمكانة لبنان كمركز للتسوق الإقليمي».

وقال: «عَملنا 30 عاماً للوصول الى ما كنّا عليه، حتى بات اللبناني او السائح يشعر وكأنه في أوروبا، إنما للأسف كل المشهد تغيّر بلمحة بصر. الأسوأ انه أصبح هناك شيطنة للقطاع التجاري من خلال تحميله مسؤولية العجز في ميزان المدفوعات، وهذا ظلم للقطاع إذ الى جانب تراجع دخول الأموال من قبل الانتشار اللبناني والاخوان العرب وخروج الرساميل من المصارف اللبنانية، استضاف لبنان أكثر من مليون ونصف نازح سوري على أراضيه لسنوات. الحرب في سوريا ضربت الاقتصاد اللبناني، ومأساة سوريا أحدثت مأساة لبنان وليس العكس كما ان الانهيار في سوريا سبّب الانهيار في لبنان وليس العكس. وبسبب وجود هذا الكم من النازحين في لبنان زاد الاستهلاك بشكل كبير، وما إعلان المصرف المركزي انّ لبنان سجّل زيادة بالاستهلاك بنحو 4 مليارات دولار سنوياً الّا إثبات على انّ هذا الاستهلاك كان يذهب الى غير اللبنانيين فضلاً عن عمليات التهريب. فكيف يعقل ان يتراجع الاقتصاد وأسعار النفط بينما فاتورة الاستيراد تزداد، وكيف يمكن تفسير انه في زمن كورونا والاقفالات المديدة وتراجع الاعمال يرتفع حجم استيراد النفط، هذا اكبر دليل على ان هذه الموارد تخرج من لبنان. وعليه، لا يمكن تحميل القطاع التجاري اليوم ذنب العجز في ميزان المدفوعات ففي ذلك خطأ فادح ومدمّر في التشخيص لأنه من خلال ضرب الاستهلاك يتم القضاء على أهم محرك في الاقتصاد اللبناني الذي يمثّل 85 من الناتج.

وكشف شماس عن تراجع حجم الاعمال في القطاع التجاري بنحو 80% خلال السنوات الأخيرة ما انعكس فاجعة على اليد العاملة في القطاع والتي كانت تقدّر بنحو 270 ألف عامل.

التجارة وكورونا

عن تأثير كورونا على القطاع، قال شماس: منذ أول لحظة أدركنا مخاطر هذا الوباء واعتمدنا منذ شهر آذار الماضي في متاجرنا أقسى البروتوكولات الصحية، لافتاً الى انّ التباعد الاجتماعي حاصل في متاجرنا تلقائيّاً لأنّ نصف الموظفين غادروا وزبائننا قَلّوا. إنطلاقاً من ذلك نشدّد على انّ القطاع التجاري ما عاد يتحمّل أي إقفال عام، لذا ندعو لأن تكون سياسة الحكومة مبنية على التبَصّر والوقاية والاحتراز والعلم، وليس عن طريق الاستقواء على بعض القطاعات او تصنيف الاعمال ما بين أساسية وغير أساسية.

أضرار المرفأ

ورداً على سؤال، أكد شماس انّ انفجار مرفأ بيروت شكّل الضربة القاضية على القطاع التجاري، فالاضرار كبيرة والتجار منكوبون. وشَكا استهتار الدولة وتقصيرها الفاضح تجاه هذه الفاجعة، فالدولة لم تؤمّن المساعدات المطلوبة والتجّار لم يتمكنوا من الوصول الى أموالهم لاستعمالها في الترميم. وفي هذه الحالة لا بد من التعويل على شركات التأمين التي هي مُطالَبة بكل إلحاح بِمَد المتضررين ببعض المال. لا شك اننا في انتظار نتيجة التحقيقات لكننا نخشى ان يصبح انتظار التحقيقات شمّاعة للتهرّب من الدفع. نحن نرجو تفاعلاً من شركات التأمين تجاه النكبة التي أصابت أهالي بيروت، وهم مُجبرون على مَد المُؤَمّنين بجزء من التدفّق المالي المطلوب.

أضاف: هناك غضب واحتقان من تأخّر تحرّك شركات التأمين تجاه هذه الفاجعة، وقد آن الأوان لتتحرّك وتتحمل مسؤولياتها الوطنية تجاه الأزمة. واعتبر انّ إعادة بناء المرفأ وإحياء بيروت المهدّمة يجب ان يكونا رافعة لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد اللبناني برمّته، وإنّ تفويت فرصة إعادة إعمار بيروت هو تفويت أيضاً لفرصة إعادة إنعاش الاقتصاد اللبناني.

الحكومة الجديدة

من جهة أخرى، اعتبر شماس انّ الحكومة الجديدة مطالبة بتصحيح خطايا الحكومة السابقة، وأبرزها:

-التخلّف عن الدفع: يجب البدء الفوري بالتفاوض مع الدائنين بعدما أدارت الحكومة ظهرها لهم بما يجعل من التعثّر فوضوياً.

– خطة النهوض المالي: اعتبرت الهيئات الاقتصادية انّ هذه الخطة هي خطة الإفلاس المالي، فالكل يُدرك انّ المسؤول الأول عن الخراب المالي هو الدولة اللبنانية، لذا لا يجوز تحميل المسؤوليات الى الطرف الخطأ. فالسياسة المالية، مع تفاقم العجز والمديونية بشكل متساو منذ سنوات بسبب أخطاء الدولة، حَتّمت على المصرف المركزي ان ينتهج سياسة نقدية معينة. فلا يجب ان ننسى انّ موازنات الدولة غابت لنحو 10 سنوات ما دفعَ بطرف السياسة النقدية الى القيام بدور سياستها والسياسة المالية الى جانب السياسة الاقتصادية في ظل غياب أي رؤية اقتصادية للدولة. وشدّد على انّ المسؤوليات تتوزّع تباعاً بين الدولة ومصرف لبنان ثم القطاع المصرفي، وليس العكس.

– التفاوض مع صندوق النقد: صحيح انّ وضعنا منكوب واننا نستجدي مساعدات من الخارج، ولكن يجب الّا ننسى انّ لبنان دولة سيادية وقادرة على الاقناع والاقتناع، فهو قادر على التوَصّل الى برنامج مع صندوق النقد بما يتناسَب مع مصالحه ومصالح الشعب اللبناني وليس المطلوب ان يذهب الى صندوق النقد باستسلام.

ورأى انّ أمامنا اليوم خريطة طريق للانقاذ الاقتصادي تبدأ في حال شَكّل الرئيس سعد الحريري حكومة من الاختصاصيين تملك الحد الأدنى من الكفاءة الى جانب المبادرة الفرنسية، مؤكداً انه لا يزال مُمكناً القيام بالانعطافة التي طال انتظارها لإعادة بناء الاقتصاد.