كتبت صحيفة “العرب” اللندنية:
يتطلّع اللبنانيون خلال هذه الفترة إلى نوعية السياسة الخارجية التي سيسلكها جو بايدن في أعقاب فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية وفي ظل الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد. وبالرغم من أن أوساطا سياسية لبنانية ترجح عدم حدوث تغيير عن سلفه دونالد ترامب خاصة في ما يتعلق بحزب الله، إلا أن البعض يعتقد أن التركيز سيكون موجها على ممارسة المزيد من الضغوط لتشكيل حكومة جديدة وإحداث اختراق عبر التوسط في مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل.
تتباين مواقف المراقبين حول مدى تأثير نتيجة الانتخابات الأميركية على المشهد السياسي والاقتصادي في لبنان، لكن معظم هؤلاء يتفقون على أنها لن تختلف عن سياسة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.
وفي حين يرى البعض أن أي تغيير من الولايات المتحدة سيكون مرتبطا بأعضاء الإدارة الأميركية الجديدة، وخاصة وزارة الخارجية، فإن آخرين يرون أن مصلحة لبنان على سلّم الاستقرار السياسي والاقتصادي، ستكون في علاقة بالمزاج الجديد للرئيس بايدن.
ومن هنا، يحاول المراقبون تتبع مسار العلاقة الأميركية بلبنان في السنوات الأربع المقبلة خاصة وأن السياسة الأميركية تجاه حزب الله المدعوم من إيران لم تتغير مع رؤساء الولايات منذ سنوات، ولكن واشنطن ربما ستلعب على حبل التوازنات للحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط.
ورشّحت هذه الانطباعات بينما لا تزال الخلافات بين الأحزاب اللبنانية تؤخر تشكيل حكومة جديدة، فمنذ تكليف رئيس الوزراء سعد الحريري بتشكيلها قبل ثلاثة أسابيع بعد تعثر رئيس الوزراء السابق مصطفى أديب في التشكيل إثر انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، والبلاد تدور في حلقة مفرغة دون وجود بوادر للخروج من الأزمة.
سياسة المراحل
يرجح أن تتبع الإدارة الأميركية الجديدة سياسة المراحل تجاه لبنان رغم أن الثوابت والخطوط العريضة ستكون هي نفسها في ظل الرؤساء الذين دخلوا إلى البيت الأبيض.
وتستبعد أوساط سياسية لبنانية حصول تغيير أميركي كبير تجاه لبنان في ضوء وصول بايدن إلى البيت الأبيض أقلّه في المدى المنظور لأن الإدارة الأميركية الجديدة ستكون منشغلة في السنة الأولى من الحكم بمعالجة الأوضاع الداخلية، خصوصا الأضرار الناجمة عن وباء كورونا والتي لعبت دورا أساسيا في فوز المرشح الديمقراطي على ترامب.
وترى الأوساط السياسية اللبنانية أنّ السياسة الأميركية تجاه لبنان ستعتمد لاحقا على شخصيّة وزير الخارجية الأميركي الجديد، علما أن أي وزير جديد سيعتمد أكثر فأكثر على الدبلوماسيين المحترفين في الوزارة من الذين يعرفون لبنان جيدا.
وكشفت مصادر عدة أن على رأس هؤلاء الدبلوماسيين يأتي ديفيد هيل مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية، الذي يتوقّع أن يستمر في موقعه في الوقت الحاضر.
وسبق لهيل أن عمل سفيرا في لبنان، كما زاره مرات عدة في السنوات القليلة الماضية. وكانت الزيارة الأخيرة في تشرين الأول الماضي، حيث تعمّد خلال تلك الزيارة عدم عقد لقاء مع رئيس التيّار الوطني الحر جبران باسيل، في إشارة واضحة إلى وجود امتعاض أميركي منه.
وليس ذلك فقط، بل تعمّد مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر أيضا التصرّف بالطريقة ذاتها مع صهر رئيس الجمهورية ميشال عون.
ولم يخف هيل في لقاءاته مع سياسيين لبنانيين أنه كان يفضّل انتخاب سليمان فرنجيّة رئيسا للجمهورية بدل ميشال عون في العام 2016.
ومع ذلك يعتقد مراقبون أن وصول بايدن إلى البيت الأبيض من شأنه التمهيد لعودة الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، وهذا سيكون له انعكاس على منطقة الشرق الأوسط بما فيها لبنان.
ورأى المحلل السياسي أمين قمورية، في حديث لـ”الأناضول”، أنه ليس هناك ارتباط مباشر بين الإدارة الأميركية وملف تشكيل الحكومة لكن بعد فوز بايدن قد لا يكون هناك اعتراض أميركي واضح وحازم ضد إشراك حزب الله في الحكومة، ما قد يسهل عملية تشكيلها.
وأرجع قمورية ذلك إلى أن بايدن، ومن خلفه الحزب الديمقراطي، يحبذ إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، “ما يعني تخفيف الضغوط على حزب الله وقادته، في محاولة من واشنطن لإعادة خطوط التواصل مع طهران”.
ويسعى الحريري إلى تشكيل حكومة من الاختصاصيين من خارج الأحزاب تكون مهمتها إنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية وذلك بحسب ما أعلن عقب تكليفه بتشكيل الحكومة.
ويرى الكاتب السياسي طوني أبي نجم أن انعكاس فوز بايدن على الساحة اللبنانية سيكون طفيفا ولن يختلف عما كان عليه في عهد ترامب، مؤكدا أن سياسات العقوبات على حزب الله ستستمر، حيث إنها بدأت في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، وكان بايدن حينذاك نائبه. وقال “الحزبان الجمهوري والديمقراطي يعتبران أن سياسة العقوبات ناجحة”.
وخلال الأشهر الماضية، فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على أفراد ومؤسسات بتهمة ارتباطهم ودعمهم لحزب الله، من بينهم وزير المالية السابق علي حسن خليل، ووزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس.
واعتبر الكاتب اللبناني قاسم قصير، المقرب من حزب الله، أن الديمقراطيين يميلون إلى دعم الحكومة اللبنانية المرتقبة برئاسة سعد الحريري رغم وجود موقف دولي بأن لا مساعدات دون إصلاحات.
وقال إن “في حال أعاد بايدن إبرام الاتفاق النووي مع إيران فسيكون لذلك انعكاس على منطقة الشرق الأوسط بينها لبنان، ما قد يخفف من التوترات ويساعد في حلحلة بعض الملفات الداخلية”.
سلاح حزب الله
رغم زيادة الضغوط الأميركية في عهد ترامب، التي تزايدت على حزب الله وذلك في إطار ضغوط الولايات المتحدة على إيران، إلا أن قصير يعتقد أنه من الصعب مشاهدة تغيير في الموقف الأميركي حول سلاح حزب الله، لأنه من الأمور الثابتة بالنسبة إلى علاقة واشنطن مع إسرائيل وحماية مصالحها.
ومع أن هذه الأمر من الثوابت الأميركية لكن واشنطن تريد أيضا إنجاح وساطتها لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، وهنا ستحتاج إلى نفس طويل حتى تقنع اللبنانيين في بادئ الأمر بالإسراع في العملية ثم تتجه إلى ممارسة ضغوط أكبر على حزب الله.
ورأى قمورية أن بايدن، كما ترامب، يضع مصلحة إسرائيل فوق أي اعتبار، وبالتالي فإن الولايات المتحدة ستستكمل مساعيها لإنجاز مفاوضات ترسيم الحدود بين البلدين.
ويذهب أبي نجم إلى الموقف نفسه، حيث يقول إن الأميركيين سيمضون في إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل لأنه يعد إنجازا للسياسة الخارجية الأميركية.
وتحتل إسرائيل جزءا من الأراضي اللبنانية، هي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وصدر قرار من مجلس الأمن الدولي عام 1978 ينص على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي اللبنانية لكنه لم ينفذ حتى اليوم. ومن حين إلى آخر، تحدث توترات حدودية جراء ما تقول إسرائيل إنها محاولات من مقاتلي حزب الله لاختراق الحدود.
ودخل لبنان وإسرائيل قبل أسابيع قليلة في مفاوضات غير مباشرة لترسيم الحدود البحرية بينهما برعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية على خلفية نزاع بمنطقة في البحر المتوسط تبلغ مساحتها نحو 860 كلم مربع، تعد غنية بالنفط والغاز.
وتريد بيروت الاستفادة من تلك المنطقة البحرية حتى تعزز إيراداتها حيث يعاني اقتصادها من مشاكل هيكلية تحتاج إلى مليارات من الدولارات، ومع ذلك لا يرى محللون أي تأثيرات مباشرة لفوز بايدن على الأوضاع الاقتصادية اللبنانية.
ويؤكد أبي نجم أن أي حكومة جديدة في لبنان لن تحصل على مساعدات من الخارج بسبب الخلافات الداخلية حول تنفيذ الإصلاحات وامتناع بعض الدول العربية عن مد يد المساعدة في ظل سطوة حزب الله، وبالتالي سيكون مصير أي حكومة جديدة الفشل.
ويعتقد الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان أنه لا وجود لترابط مباشر بين نتيجة الانتخابات الأميركية والأوضاع الاقتصادية اللبنانية، فتخفيف العقوبات على حزب الله وبعض الشخصيات القريبة منه قد لا يكون له تأثير مباشر على الاقتصاد اللبناني، إنما من شأن تخفيف التشنّج السياسي أن ينعكس إيجابيا على الاقتصاد.
ومنذ تشرين الأول الماضي، عقب اندلاع احتجاجات شعبية في بيروت واستقالة الحكومة، بدأت قيمة الليرة اللبنانية تتراجع مقابل الدولار، ما انعكس على أسعار المواد الاستهلاكية الأولية، وتآكل رواتب الموظفين في جميع القطاعات.
ويجزم المراقبون السياسيون والاقتصاديون أن الأزمة المالية والمصرفية في لبنان لا تحل إلا بإصلاحات اقتصادية في الداخل وبمساعدة من صندوق النقد الدولي، إذ لم تضع إدارة ترامب أي فيتو على تقديم مساعدات إلى لبنان عبر الصندوق وهذا لن يتغير في عهد بايدن.