كتب عمّار نعمة في جريدة اللواء:
ليس المجال أو الوقت للمكابرة بالنسبة الى «التيار الوطني الحر» بعد تعرض رئيسه جبران باسيل لعقوبات آذته شخصيا مثلما وجهت ضربة لطموحاته السياسية التي لا تنفصل عن مصير تياره.
لذا لا ينفي العونيون حجم التحديات التي تلقيها تلك العقوبات التي ترد من الدولة العظمى الكبرى في العالم وعمق آثار التوتر التي يلقيها عليهم مآل العلاقة. لكن لا خيار سوى في المواجهة في ظل شعور بالمظلومية ربما هو من حمى التيار عبر تعاطف المنتسبين مع رئيسهم من هزة يريدها خصومه له.
لسان حال هؤلاء «أننا لسنا على خطأ ولم نتخذ قرارا سيئا لكي نقابل بكل ذلك»، ما لا يستدعي نقاشا كبيرا حول هدف تلك العقوبات بفك العلاقة مع «حزب الله». ويبدو «التيار» واضحا جدا في هذه اللحظة السياسية: إذا كان المطلوب أن نخرج من التحالف مع «حزب الله» وأن نلبي كل المطالب الاميركية وضرب مصلحة لبنان، فإجابتنا هي أنه لا يمكن كسر تفاهمات وطنية تمت بين طرفين مختلفين بالثقافة والإيديولوجيا والسياسة، وبيئتين طائفيتين مختلفتين ما يجب أن يعتبر إنجازا في الداخل، بعد أن كانت التفاهمات في الماضي تتم داخل البيئة الواحدة ولم تكن عابرة للطوائف.
إرث العلاقة مع أميركا
والحال ان العلاقة بين مؤسس «التيار»، العماد ومن ثم الرئيس ميشال عون، والأميركيين، مرت في غالبية الاحيان بمراحل جافة، والامر يعود الى تجربة طويلة مع واشنطن في تعاطيها مع لبنان والشرق الاوسط وخاصة البيئة المسيحية تعود الى العام 1983 حين «تركت» الادارة الاميركية اللبنانيين، مرورا بالصدام الكبير في 1990 قبل نفي عون ما أسس لكسر في تلك العلاقة منذ ذلك الحين.
وفي مواجهة الهجوم الأميركي، يؤكد العونيون انه لا يمكن الركون الى حمايات غربية، لكن طبعا هذا الامر لا يعني عدم اقامة علاقات مع قوى دولية وبينها القوة الاهم في العالم التي تجمع «التيار» معها «الثقافة والحضارة» من دون تبني سياساتها.
يحاول هؤلاء ربط العقوبات التي تأتي بعد ضغوط كبيرة مورست على باسيل ورئيس الجمهورية ميشال عون، تحييد الادارة الاميركية الحالية عن إرث سابقتها (المفترضة).
على ان طلب الاميركيين حول الحزب يلقى صدى لدى بعض الشرائح الصغيرة في التيار حسب توصيف قياديين فيه، وهو أمر طبيعي نتيجة الموروثات السابقة التي غذاها البعد والحرب الاهلية وسوء الفهم، لكن هذه المجموعة لا تبدو مؤثرة في خلق دفع للمضي بما يطلبه الاميركيون.
ويلخص قيادي في التيار الامر على هذا المنوال: إن جوهر العلاقة مع «حزب الله» يتعلق بالاستراتيجيا الكبيرة، ولسنا هنا في إطار المسايرة، ونستند الى تجارب مقاومة إسرائيل والتوطين والإيمان بقوة لبنان وطنا وكيانا واذا حافظنا على هذه القوة فهذا يأتي لصالحنا.
على ان ما هو حاصل اليوم أن الدعوات زادت، وفي اطار النقد التصاعدي، لتطوير ورقة التفاهم. وما يصر عليه العونيون أمران: محاكاة الحزب لهم في هدف بناء الدولة ومواجهة الفاسدين، ومساعدتهم في خطة تغيير النمط الاقتصادي والمالي.
وفي أوساط «التيار» مطالبات للحزب بتغيير الأداء والانخراط ببعض المواجهات مع المنظومة السياسية بعد ان تحمل «التيار» والعهد مسؤولية الانهيار الحاصل. وهم يريدون خطوات عملية ومواقف في ملفات اصلاحية داخل الحكومة والمجلس النيابي، ليس في اطار النكد السياسي، بل لمصلحة البلد.
هم يشيرون الى ملفات تتعلق بالجميع، ومنهم الحليف في «الثنائي الشيعي» كما غيره، وهم بذلك يريدون محاكاة ما حدث على اثر اندلاع انتفاضة 17 تشرين، فما بعدها لم يعد كما قبلها ولا يمكن الاكمال في الطريق فيهذا التفاهم كما كان سائدا في السابق، وبهذا المعنى «نريد قلب الطاولة لبناء الدولة».
هي دعوة لإعادة قراءة تفاهم مار مخايل الذي يقترب من عيده الـ 15، ليس عبر المواجهة بل عبر التفاوض والحوار، للتوصل الى ترجمة عملية وعدم البقاء في إطار الادبيات.
شكلت تلك عناوين لقاءات مصارحة مع الحزب واستدعت بحثا طويلا وصريحا بين الامين العام حسن نصر الله وباسيل. يقول العونيون إنهم سمعوا تفهما لقضاياهم من الحزب والتي يتردد صداها في بيئته حتى ذهب البعض أبعد من التيار في مطالبه.
نقد التجربة
في هذه الاثناء، يشتري «التيار» الوقت متمسكا بـ«ثوابته» على أمل ان تكشف المرحلة المقبلة عن تفهم «ديمقراطي» أميركي الذي لا يحتاج الى تسجيل انتصارات في لبنان والمنطقة امام جمهوره، لكن طبعا من دون أوهام ورهانات فوق العادة، في انتظار تغيرات في السياسة تصبح معها العقوبات غير مجدية.
وفي هذا الحين، يبقى السؤال حول تأثير تلك العقوبات على رئاسة مقبلة لباسيل. قد تكون الاجابة بالايجاب في هذه اللحظة، لكن ذلك سيكون ظالما لشرعية مسيحية يمثلها باسيل، حسب هؤلاء، كما ان للرئاسة عوامل داخلية واقليمية وخارجية لم يحن أوانها بعد.
ولمواجهة كل تلك الضربات، يجهد «التيار» في مراجعة داخلية لم تخلُ من نقد للتجربة لإعادة استنهاض نفسه وتفعيل تواصله بعد «سوء الفهم مع الانتفاضة» وتفعيل دور الرئاسة مع مجابهة أولويات المرحلة الحالية وعلى رأسها اليوم الكارثة الاقتصادية الحالية.
وذلك، لا يبدو «التيار» رفضيا في علاقاته مع الاطراف الآخرين ومن بينهم الرئيس سعد الحريري.
وهي فرصة لاقتناص الرجل في ظل علاقته المهزوزة مع الزعيم «القواتي» سمير جعجع. وبما ان التسوية ناتجة عن التمثيل السياسي ويجب التفاهم، فإن الكرة في ملعب الحريري حسب هؤلاء والنظرة حول الكيفية التي سيتعاطى عبرها الزعيم «المستقبلي» مع العهد، وهو من سيقرر فتح الصفحة الجديدة أو الابقاء عليها مطوية وسط اجابته على سؤال المعايير الموحدة في تشكيل الحكومة وعدم الاقصاء في تكرار لـ»مشهد غازي كنعان ورستم غزالة»!
هذا الامر يسقط نفسه على باقي اللاعبين، والهم يتجه اليوم الى وضع برنامج وخارطة طريق إصلاحية ومعالجة قضايا المال والاقتصاد والمصارف وهي قضايا يريد هؤلاء محاكاة الانتفاضة الشعبية فيها. و»التيار» صُدم من شدة العدائية فيها ويدرك تماما، من دون تعميم، من ركب الثورة. واذ يعلم هؤلاء عن تراجع الشعبية الذي يشيرون إليه لكونه شمل «فئات محايدة وليس أبناء التيار»، يبحث اليوم عن الحلقة الضائعة واضعا خطة شاملة لتحسين الاداء سياسيا وإعلاميا كما عبر التوجه الى الجماهير المختلفة والتواصل معها خطابيا، مع عدم تجاهل العامل الخارجي الذي يتعرض «التيار» له. ولسان حال العونيين الآن أن «كل من فقدناه اليوم قد نستعيده غداً».