كتبت غادة حلاوي في صحيفة نداء الوطن:
من مبادرة رئاسية طرحها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في سياق زيارة أظهرته كمنقذ في أحلك ظروف يعيشها لبنان، الى مجرد مهمة استطلاعية حضر من أجلها مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون شمال افريقيا والشرق الأوسط باتريك دوريل، “متمنياً التعاون مع الرئيس المكلف لتذليل العقبات”. جاء يبحث عن أسباب التأخير في تشكيل الحكومة والجهة التي تتحمل مسؤولية التأخير فلم يلق جواباً واحداً بل الكل أجابه بالنظر الى رؤيته للعوائق والمسببات. مرة جديدة وجد الفرنسيون انفسهم داخل دهاليز المعضلة اللبنانية في توزيع الوزارات والمداورة والاسماء.
هي اذاً مهمة استطلاعية توعوية نبه خلالها الموفد الفرنسي لبنان الى ان عدم تشكيل الحكومة يعني عدم انعقاد المؤتمر المخصص لمساعدته، علماً ان التحضيرات لهذا المؤتمر قائمة ويتولاها الفرنسيون بالتنسيق مع وزراء في حكومة حسان دياب.
كل من التقاه وقابله اشار إلى أن الموفد الفرنسي لم يحمل أي تصور لتسهيل الحكومة أو إقتراح، وانما قدّم نصيحة الى المسؤولين مفادها ان من مصلحتكم الاسراع بتشكيل الحكومة ولا تهتموا لأمر العقوبات الاميركية ولا تدعوها تعترض تشكيل الحكومة. حث المستشار الرئاسي الفرنسي على تخطي العقبات الاميركية التي تعترض مساعي ولادة الحكومة لكنه لم يقدم اي ضمانات بالمقابل، فحين سأله احد المسؤولين هل يمكن لفرنسا ان تمنح لبنان ضمانات معينة مقابل الاسراع بتأليف حكومة كانت أوصت بتشكيلها في سياق مبادرتها؟ كان الجواب الفرنسي بالنفي وبأن بلاده لا تملك اكثر من التمني على المسؤولين بتشكيل حكومتهم في ظل ظروف تكاد تكون الاصعب التي تعيشها المنطقة. نصح دوريل، ولكن هل صحيح انه فاتح احد المسؤولين الذين التقاهم بأسماء معينة تمنى تمثيلها في الحكومة المقبلة مقترحاً توليها وزارتي الطاقة والاتصالات؟ اذا كان حصل بالفعل ذلك بناء على تأكيد مصادر شاركت في اجتماعات الموفد الفرنسي فان ذلك يطرح سؤالاً مقابلاً: هل ارادت فرنسا من خلال التسمية في هاتين الحقيبتين ايجاد حل للعقد الحكومية؟ ليس الجواب واضحاً بأن مثل هذا المخرج قد يكون حلاً، خصوصاً اذا صح ما كشفته المصادر عينها من ان الاسماء المقترحة من الجانب الفرنسي سبق وطرحها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على رئيس الجمهورية ميشال عون.
القاسم المشترك لجولات من زيارته كانت نصيحته بالاستفادة من وجود ودعم الرئيس الفرنسي “وانجزوا حكومتكم لتأمين انعقاد المؤتمر المخصص للبنان في فرنسا”، من دون ان يملك اجابة على سؤال وجه اليه خلال احدى زياراته وهو كيف يمكن ان نشكل حكومة وحدة وطنية والرئيس المكلف يستثني اطرافاً معنية بالحكومة من مشاوراته؟ وهل ستقبل الادارة الاميركية الحالية بأن نشكل حكومة وحدة وطنية تنفيذاً للمبادرة الفرنسية؟ سيل من الاسئلة لم يجد الموفد الفرنسي الاجوبة عليها ما دفع مستقبليه الى الاستنتاج ان فرنسا تريد من لبنان تشكيل حكومة بأي ثمن وكيفما اتفق لاعتبارات عدة من بينها انقاذ مبادرتها امام المجتمع الدولي، تحقيق انتصار ما على متن الصفيح الساخن الذي تشهده المنطقة، والاهم والابرز الاعداد لزيارة مقررة مسبقاً ولو لم يحدد موعدها رسمياً بعد للرئيس الفرنسي الذي يفترض ان يصل الى لبنان بعيد الاعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، في محاولة لتظهير الخطوة على انها انجاز فرنسي على ارض لبنان.
على قاعدة كل يبحث عن مصلحته، حضر الموفد الفرنسي وهو المدرك حجم الضغوطات الاميركية على لبنان. تلك الضغوطات التي كبلت جهود الرئيس المكلف وطوقته حتى بدا متريثاً في خطواته كي لا نقول خائفاً من ردة الفعل الاميركية، وليس الحريري فحسب بل ان كل الاطراف المعنية بتشكيل الحكومة بدت وكأنها لا تنوي القيام بخطوات حاسمة قبل معرفة مصير الانتخابات الاميركية. عاد الفرنسي الى لبنان، وليس باستطاعته فعل الكثير لكنها لفتة جيدة من “الام الحنون” واصرار على دور يتجنب الجميع تعكير صفوه كي لا يتحمل مسؤولية العرقلة. سأل دوريل واستفسر لكنه على الارجح لن يخرج بأجوبة توحي بقرب تشكيل حكومة قد تصبح حظوظ ولادتها معدومة بعد الزيارة اكثر مما قبلها.
الايجابية الوحيدة في زيارة المسؤول الفرنسي رغبة الفرنسيين في استكمال مبادرتهم والحث على تشكيل حكومة وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، واعاد التأكيد على حكومة اختصاصيين كفيلة بالقيام بذلك لكنه وخلافاً لكل ما طرح وقيل لم يهدد بعقوبات ولم يتحدث عنها.