Site icon IMLebanon

العِراكُ اللبناني يُسابِقُ الحِراكَ الفرنسي

 

بين «المَخاطر العالية» التي تَطْبَعُ الشهرين المقبليْن الفاصليْن عن تسليم الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحُكْم إلى جو بايدن، وضَغْطِ واشنطن الأسبوعَ الماضي على «زرّ» العقوبات النوعية بحقّ قادةٍ من الصف الأول في لبنان متحالفين مع «حزب الله» وكان أوّلهم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، تجدِّد باريس محاولةَ إحياءِ مبادرتها ذات الصلة بالحكومة العتيدة التي يسعى إلى تأليفها الرئيس المكلف سعد الحريري ومعاودةِ وضْعها على سكّة المواصفات التي انطلقت على أساسها ولو مع «تخفيفٍ» لمنسوب استقلالية الوزراء الاختصاصيين إذا كانت ستُراعي شروطَ الإصلاحاتِ الجوهرية التي تتطلّب في جانبٍ منها استيلادَ التشكيلةِ المنتظَرة من خارج آليات المحاصَصَة أو«العمل كالمعتاد».

وفيما كان الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل يبدأ محادثاته في بيروت مع رئيس الجمهورية ميشال عون وسائر المسؤولين من ضمن جدولِ اجتماعاتٍ تشمل كل رؤساء الكتل الذين كان التقاهم الرئيس ايمانويل ماكرون خلال زيارتيه لبيروت في اغسطس ومطلع سبتمبر الماضييْن (وبينهم رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد الذي التقاه دوريل أمس في الضاحية الجنوبية)، استعادتْ أوساط سياسيةُ السيناريو الذي واكَبَ مرحلةَ تكليفِ السفير مصطفى أديب تشكيلَ حكومةِ الاختصاصيين المستقلّين والذي حاولتْ من خلاله باريس الاستفادة من «عصا» العقوبات الأميركية للدفْع نحو حكومةٍ بشروط المجتمع الدولي لجهة التخفيف من تأثير «حزب الله» في مركز القرار التنفيذي وإطلاق قطار الإصلاحات التي تقوّض بدورها ركائز مهمة لتمكين نفوذ الحزب وتسمح للبنان بالحصول على الدعم المالي المطلوب لوقف السقوط المالي المريع.

 

ورغم أن العقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس في سبتمبر اعتُبرت «قاصِمةً» لمهمة أديب، فإنّ ثمة مَن يراهن على الرسالةِ غير المسبوقة التي شكّلها إطلاقُ «رصاصة ماغنيتسكي» على باسيل لإنجاح مسار التأليف الذي يقوده الحريري وإخراجه من دائرة التعقيدات المستحكمة، ولا سيما في ظلّ التلويح بسبحةٍ من الشخصيات الجديدة ستعاقبها واشنطن تباعاً وربما تُعلَن أسماءُ بعضها في اليومين المقبلين، ناهيك عن التلميحاتِ إلى أن «الكاوبوي الأميركي» (ترامب) قد يلجأ في الفترة الفاصلة عن 20 يناير إلى «سلاح الاحتياط» لإحداث وقائع على الأرض في المنطقة «بقوة النار» يصعب على إدارة بايدن التراجع عنها ولا سيما في ما خصّ المواجهة مع إيران والتي بات لبنان «في عيْنها».

وترى الأوساط السياسية أن دون هذا السيناريو، الذي تَرافَقَ مع أجواء لم يكن ممكناً الجزم بدقّتها أمس، حول أن دوريل يحمل تحذيراتٍ من أن عدم تأليف حكومة بشروط المبادرة قد يفضي حتى إلى عقوباتٍ أوروبية، عوامل عدة تجعل الائتلاف الحاكمَ (حزب الله – التيار الحر) لا يتراجع أمام «َضغوط ربع الساعة الأخير» من «عمر» ولاية ترامب ويصرّ على رؤيته لحكومةٍ تجعل الحريري عملياً رئيساً لحكومة الأكثرية النيابية التي يُمسك بها وتكون فيها حقائب أساسية «تحت جناح» فريق عون (خصوصاً الطاقة). وبين هذه العوامل أن معاقبةَ باسيل «أطلقت يداه» بعدما كان ماكرون قدّم نفسه على أنه «واقي الرصاص» تجاه أي اندفاعةٍ تجاهه من ترامب.وجاء كلام الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ليل الأربعاء، الذي، وفي موازاة عدم إسقاطه من الحسبان إمكان مغامرة ترامب في المنطقة في الشهرين المقبلين، أثنى على «شجاعة» باسيل برفْضه التسليم بالضغوط الأميركية عليه، معتبراً أن هذا الأمر «يُبنى عليه»، ليؤشر في جانبٍ منه إلى عدم استعجالٍ لتأليف حكومةٍ «تحت سيف العقوبات» رغم أن نصرالله لم يَدْخل في تفاصيل عملية التشكيل التي عادت الى «نقطة الصفر» تاركاً إياها للتشاور بين عون والحريري.

ولم تكن عابرة إشارتان أطلقهما عون أمس، خلال استقباله دوريل، الأولى أن «العقوبات الأميركية زادت الأمور تعقيداً»، وأن المطلوب «توافق وطني واسع لتشكيل حكومة تتمكن من تحقيق المهمات المطلوبة منها بالتعاون مع مجلس النواب»، مشيراً الى «أهمية التشاور الوطني العريض في هذه المرحلة الدقيقة».

واعتُبرت هذه المواقف مؤشراً إلى مسارٍ قد يحمل محاولاتٍ لتعديل هوية الحكومة وجعْلها أكثر سياسية على نحو يتلاءم مع المرحلة الجديدة التي دشّنتْها العقوبات على باسيل وحال الانتظار في المنطقة، من دون أن يُعرف إذا كان هذا الأمر في سياق رفْع السقوف أو في إطار خياراتٍ راسخة ستعني تعليق تشكيل الحكومة حتى 2021.