اقتربت مهمة الموفد الفرنسي الجديد مستشار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل من نهايتها وسيعود الى بلاده بعد ساعات قليلة من دون ان يتبين للمراقبين أي من النتائج التي ترتبت عليها وما يمكن ان تؤدي اليه في المديين القريب والمتوسط في ظل فقدان اي قراءة تتحدث عما ينتظر لبنان على المدى الطويل.
وقبل الدخول في ما رافق هذه الزيارة من أجواء توحي بالمزيد من القلق على مستقبل الوضع في لبنان، كشفت مصادر سياسية وحزبية شاركت في اللقاءات التي عقدها دوريل لـ “المركزية” انه لم يظهر انه موفد جديد تم التعرف اليه للمرة الأولى في لبنان كما تم تصوير الرجل قبل وصوله الى بيروت. فقد اظهر في محادثاته انه يمتلك ما يكفي من معلومات عن كل ما رافق المبادرة الفرنسية التي اطلقها الرئيس ايمانويل ماكرون في الأول من ايلول الماضي وحجم معرفته بمضمون ما جرى تبادله من آراء في المحادثات التي اجراها ماكرون وتلك التي تابعها فريق الأزمة الذي كلف بمهمة المتابعة طيلة الفترة الماضية مع القيادات الرسمية والسياسية والحزبية التي تعهدت بتنفيذ المبادرة وتسهيل الطرق الى مراحلها التنفيذية.
وقياسا على ما كان متوقعا، كانت التقديرات تقول بأن دوريل هو في موقع متقدم يمكن ان يؤثر في تغيير الآلية المعتمدة في لبنان لتشكيل الحكومة كخطوة اولى تسهيلا لولادتها بأسرع وقت ممكن. فقد كان واضحا ان المبادرة تحدثت عن حكومة حيادية ومستقلة خالية من الحزبيين تمهد للانتقال الى المراحل المقبلة وصولا الى البرامج الأخرى التي كانت باريس تحضر لها في حملة اتصالات واسعة تناولت معظم القوى الاقليمية والدولية المؤثرة الى جانب المؤسسات المانحة التي يمكن ان تساعد اللبنانيين لمجرد استعادة الثقة بالسلطة في لبنان للخروج من نفق الازمات النقدية والإقتصادية التي تشكل معبرا الى استعادة الوضع طبيعته.
ومن هذه المعطيات بعناوينها العريضة اوضحت مراجع دبلوماسية رافقت الزيارة عبر “المركزية” انها وبالرغم من المفاجأة التي احدثها قدوم الموفد الرئاسي الفرنسي الجديد بالرغم من مشاغل الرئيس الفرنسي بالملفات الأمنية والفرنسية الداخلية كانت تعتقد ان هناك جديدا يمكن طرحه وان الاتصالات التي قامت بها فرنسا على المستوى الدولي ولا سيما مع الجانب الأميركي لربما وصلت الى مكان ما دفعته الى تكليف دوريل بهذه المهمة. ولكن الواقع الذي وصلت اليها الزيارة لا يشي بجديد يمكن التعويل عليه على اكثر من مستوى.
ولفتت الى ان الموفد الفرنسي الذي جال على مختلف القيادات في بيروت لم ينجح في تغيير المعادلة التي ارساها اهل الحكم في عملية التشكيل، فهو وبالرغم من اعادة تذكيره في بداية كل لقاء بعناوين المبادرة اوحى للمسؤولين حجم خروجهم عنها من مختلف جوانبها و”الف بائها” وتحدث عن الحكومة الحيادية والمستقلة واستمع الى الشروط والشروط المضادة التي اعاقت مهمة السفير مصطفى اديب في ايلول الماضي قبل اعتذاره وعكست العقبات التي حالت دون نجاح الرئيس الحريري في تشكيل الحكومة الجديدة رغم الأجواء التي واكبت تكليفه قبل ايام قليلة على نهاية الشهر الماضي بان العملية منجزة وانه سينجح مع رئيس الجمهورية في توليدها في ايام قليلة كاسرا كل المهل السابقة التي استهلكتها عملية التأليف.
وعليه، ما هو ثابت لدى الموفد الفرنسي في نهاية زيارته انه سيقدم تقريره الى الرئيس ماكرون في الساعات المقبلة من دون اي عنصر اضافي الى ما افادت به التقارير السابقة التي وضعها رئيس جهاز الامن الخارجي برنارد ايمييه في وقت سابق. فلم يقدم اللبنانيون اي مثل يوحي بأنهم فهموا الرسالة الفرنسية او انهم قرأوا الجو الدولي المهمل للوضع في لبنان ولم يقدروا حجم المبادرة الفرنسية التي بقيت قائمة بالرغم من كل المصاعب التي تواجهها.
على اي حال، لم يتجاهل دوريل ما فهمه في نهاية الزيارة فهو عبر في لقاءاته الاخيرة عن اسفه وقلقه على مستقبل الوضع في ظل “التكاذب اللبناني” ليس على بعضهم البعض فحسب وانما يحاولون ان يقنعوا فرنسا انهم مع المبادرة الفرنسية ولم يقدموا على اي خطوة من خطواتها.
وبناء على ما تقدم، تتوقع المراجع ان يكون الموفد الفرنسي واضحا مع إدارته فهل سينصح رئيسه بتجميد المبادرة، او اطلاق تحذير جديد واخير الى اللبنانيين؟. فدوريل كان واضحا عندما امهلهم حتى نهاية الشهر الجاري لتشكيل الحكومة موضحا ان دول الخليج العربي ومعهم دول الجامعة العربية أداروا الظهر لأزمتكم وواشنطن منشغلة بالفترة الانتقالية بين رئيس جمهورية يغادر البيت الابيض وآخر ديمقراطي قادم اليها وموسكو غارقة في ملفات سوريا والحرب ما بين اذربيجان وارمينيا وما يجري في ليبيا وانتم منشغلون بمن سيدير قطاع منهك كالكهرباء المفقودة وبيئي متعثر كالنفايات وما عكسته جائحة كورونا من حجم ضحاياها في ما الشعب يتضور جوعا يعاني ما يعانيه من الغلاء وفقدان العملات الصعبة وتقنين الليرة اللبنانية وغياب ابسط الخدمات اليومية.
وعليه، طرح السؤال ماذا لو “هشل” الفرنسيون ايضا وغادروا لبنان؟ وهل سيكون – في حال فقدان الوسيط، اي وسيط داخلي او خارجي – بقدرة اهل السلطة مواجهة الاستحقاقات الخطيرة المقبلة قبل الانهيار الكبير؟