كتب منير الربيع في “المدن”:
لم نعد نحتاج إلى عناء للتأكد من أن المبادرة الفرنسية تتعرض لتفخيخ مستمر من الولايات المتحدة الأميركية. فالمسار الفرنسي يفترق إلى حدّ بعيد عن المسار الأميركي. وأميركا المستمرة في فرض العقوبات القاسية على حزب الله وحلفائه، لن ترضى بتشكيل حكومة يشارك فيها الحزب إياه، بل أن يفرض شكلها ومهمتها، ويتحكم بها مع حلفائه. وواشنطن لن تقبل أيضاً أن تعوّم باريس حزباً تفرض هي عليه شتى أنواع الضغوط.
باسيل المنبوذ
وحاول المبعوث الفرنسي باتريك دوريل إعادة الحياة إلى المبادرة الفرنسية، لكن طريقه مسدودة على ما يبدو. والثغرة التي حاول دوريل أن يفتحها بين سعد الحريري وجبران باسيل، بتوفيره اتصالاً هاتفياً بينهما، لن تؤدي إلى حلّ، بل قد تحرج الرئيس المكلف مع الولايات المتحدة الأميركية، التي فرضت عقوبات على باسيل قبل نحو أسبوع. وهو مهدد بالمزيد من العقوبات، ليس بتهم الفساد فحسب، وإنما بسبب علاقته بحزب الله وبالنظام السوري.
ومن شأن المسعى الفرنسي هذا أن يحرج الحريري الرافض تشكيل حكومة بشروط باسيل، أو بعد التفاوض معه. لذا لن يغير الاتصالُ بينهما المسار. وقد يكون الرئيس المكلف حرص على مراعاة الزائر الفرنسي، بدون تقديمه أي تنازلات، مصراً على تمسكه بموقفه.
حزب الله ورهان فرنسا
وتشير معلومات إلى أن حزب الله هو الناصح الأكبر لدوريل بضرورة تأمين الاتصال بين الحريري وباسيل. بعد إشاعة أجواء إيجابية جداً عن لقاء الموفد الفرنسي بمسؤولي الحزب إياه، المتمسك بمبدأ التواصل مع كل القوى، وعدم استثناء رئيس أكبر كتلة في البرلمان من التفاوض في ملف تشكيل الحكومة.
ليست هذه المرة الأولى التي يشار فيها إلى الإيجابية بين الفرنسيين وحزب الله، بعد الضغط الفرنسي على الحريري للتنازل عن وزارة المال للشيعة في مرحلة سعي مصطفى أديب لتشكيل حكومته. لكن ذاك التنازل لم ينتج حكومة. والأرجح أن المساعي الفرنسية الحالية لن تؤدي إلى تشكيل الحكومة. فأثناء المساعي الفرنسية، ظهر موقف عالي السقف للسفيرة الأميركية. وهو الثاني في أقل من أسبوع، ولم يخل من تناول جبران باسيل والتصعيد ضده.
أميركا بالمرصاد
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن السفيرة دورثي شيا لا يمكنها اللجوء إلى ما فعلته من دون قرار واضح من إدارتها. فموقفها الأخير جاء مباشرة بعد الكلام الإيجابي عن اللقاء بين حزب الله والمسؤول الفرنسي، وبعد الإتصال بين الحريري وباسيل.
ومضمون كلام السفيرة يشير إلى عدم اعتراف إدارتها بحكومة يشارك حزب الله أو باسيل، أو يكونان مؤثرين وفاعلين فيها. فحزب الله مصنف إرهابي أميركياً، وباسيل صار على لائحة العقوبات الأميركية، وقد يتعرض للمزيد منها.
وهذا فيما تفيد معلومات أن عملية محاصرة باسيل مستمرة بالضغط على حلفاء له، أو على نواب وكوادر وفاعلين في التيار العوني، إلى جانب انتظار حزمة عقوبات جديدة على شخصيات أخرى.
الخلاصة التي يمكن التوصل إليها بعد كلام السفيرة الأميركية، هو أن واشنطن تمنع تأليف حكومة وفق المبادرة الفرنسية التي تسعى لتعويم حزب الله، وللالتفاف على المسار الأميركي المستمر في إخضاع الجميع. لذا يستمر لبنان في نفق تهاويه وتهالكه السريعين، وفي مزيد من الجمود على الصعيد السياسي.
بين واشنطن والخليج
السفيرة الأميركية قالت جملة مفتاحية: واشنطن لم تقدم على أية خطوة أو موقف مماثلين لما أقدمت عليه دول الخليج. إي أنها (واشنطن) استمرت وتستمر في اهتمامها بلبنان وتقديمها بعض المساعدات له، فيما دول الخليج قررت إدارة الظهر للبنان، وعدم مساعدته أو إبداء أي اهتمام به.
وهل لأحد أن يتخيل أن أميركا تدير ظهرها للبنان وتوقف عنه كل أشكال المساعدات؟ فهذا يعني أنه يتهاوى سريعاً إلى مصيره القاتم جداً، والذي سيطال المؤسسات والإدارات، بما فيها القوى الأمنية والعسكرية. وهكذا يحاول الأميركيون إيصال رسالة مفادها أن لا متغيرات أميركية نحو لبنان مع إدارة الرئيس الجديد جو بايدن.
ويأتي الموقف الأميركي التصعيدي، مع استمرار الضغط الإسرائيلي على لبنان: فتح ملف المطار مجدداً، والتلويح بإمكان إستهدافه أو استهداف أي موقع أو مخازن أسلحة وصواريخ لحزب الله.
لكن المسار القائم أميركياً قد لا ينطوي على التلويح بخيار عسكري أو أمني، طالما أن واشنطن تكتفي باستخدام سلاح العقوبات وترك لبنان يترهل وينهار. ولكن لا يمكن إسقاط الاحتمال الإسرائيلي من الحسابات.