تغرق الطبقة السياسية في لبنان بسياسة “النكايات” المتبادلة في حين أن المطلوب منها هو في مكان آخر بالكامل.
سقطت المبادرة الفرنسية بالضربات القاضية سواء من إيران و”حزب الله”، وسواء بفعل العقوبات الأميركية، لتختصر واشنطن المشهد السياسي اللبناني بالتأكيد أن “الأمر لي”.
للمرة الأولى تخلع السفيرة الأميركية قفازاتها الدبلوماسية لتقول كلاماً واضحاً لجميع من يعنيهم الأمر من دون أي لفّ أو دوران، بدءًا بالذين يُفترض أنهم يشكّلون الحكومة في لبنان:”لا نزال نستعمل سياسة الضغط على “حزب الله” ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بعلاقته مع الحزب غطى سلاحه فيما الأخير يغطي فساده”. وأضافت بتحذير واضح: “لم نفعل بعد كما دول الخليج بالابتعاد عن لبنان وعدم دعمه.لم ندعم الحكومة الأخيرة لأن الذي شكّلها هو “حزب الله” (…) وجزمت بأن “أحدًا لن يساعدهم بتاتًا إلا إذا رأينا تقدمًا خطوة بعد خطوة، فلن يكون هناك أي شيء مجاني بعد اليوم”.
رسائل واشنطن واضحة إلى العهد ورئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل، تماماً كما إلى الرئيس المكلف سعد الحريري. لن تنفع الأدوية والعلاجات الموضعية الفرنسية في تسهيل ولادة حكومة لا ترضى الولايات المتحدة عنها. لن تنفع الزيارات الفرنسية وجولات مستشار الرئيس إيمانويل ماكرون ولقاءاته في تأمين أي خرق حكومي، وخصوصاً أن المعادلة باتت واضحة: “حزب الله” يصر ليس فقط على المشاركة في الحكومة بل وأيضاً على تسمية وزرائه، والرئيس سعد الحريري يدرك أن أي شراكة للحزب في الحكومة تعني فرض عقوبات مباشرة عليه وعلى الحكومة اللبنانية، إضافة إلى وقف المساعدات الأميركية سواء التي تقدمها واشنطن مباشرة إلى الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وسواء التي تقدمها عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) إلى اللبنانيين عبر مؤسسات المجتمع المدني، وذلك سيعني انهياراً عسكرياً واجتماعياً شاملاً في لبنان.
والحريري يدرك أن التخلي الأميركي عن لبنان، إن حصل بعد التخلي العربي الكامل، يعني استحالة قيامة لبنان من مستنقع الانهيار لأن كل أبواب المساعدات والقروض ستُقفل إلى غير رجعة، وبالتالي فإن الحريري يبدو عاجزاً تماماً عن تقديم أي تشكيلة حكومية تستفزّ واشنطن لأن ذلك يعني نهاية لبنان، كما يعلم أن “حزب الله” لن يسمح بإنتاج أي حكومة لا ترضيه رغم عجزه وعجز إيران عن تأمين أي حلول للأزمات اللبنانية الخانقة، وجلّ ما يفعلانه هو أخذ لبنان رهينة في انتظار مفاوضات مرتقبة مع واشنطن بعد 20 كانون الثاني المقبل، ما يجعلنا أمام حائط مسدود بالكامل.
لذلك، نصيحة إلى جميع المعنيين: النكد المتبادل لن ينفعكم. الصراخ والمهاترات والتراشق ساعة بذريعة التدقيق الجنائي الذي يتم استعماله للابتزاز السياسي لأنه لو تحقق سيطال عروش الجميع، وساعة بذريعة تناتش الحصص. ثمة شروط أميركية واضحة إما تشكلون حكومة على أساسها وإما تنتظرون فرجاً قد لا يأتي، ولكن على الأقل تجرّأوا واعترفوا بالحقيقة الساطعة عوض محاولات إغراق اللبنانيين بسراب “الأجواء الإيجابية” التافهة. كان الله بعون لبنان واللبنانيين المحكومين من هذه الطغمة!