Site icon IMLebanon

هل تكون الليرة الرقمية هي الحل.. اليكم كيف

كتب فادي خلف في “الجمهورية”:

في بادرة قديمة متجدّدة، أعلم حاكم مصرف لبنان جمعية المودعين نيته إطلاق العملة الالكترونية بالليرة اللبنانية خلال العام المقبل. للإضاءة على تأثيرات هذه العملة على الوضع المالي، ولكي لا يخلط البعض بين مبدأ العملة الرقمية المقترحة Digital Currency والعملات المشفَّرة Cryptocurrencies وجب توضيح بعض الأمور المتعلقة بهذه العملات ودورها في السياسات النقدية، قبل الانتقال الى سلبيات وايجابيات إصدار الليرة الرقمية.

العملات الرقمية هي مركزية، تُصدرها عادة المصارف المركزية وتنظّم المعاملات المتعلقة بها (CBDC) Central Bank Digital Currency، كما يمكن أيضاً أن تصدرها بعض الشركات المتخصصة. بينما العملات المشفَّرة هي لا مركزية، ويتمّ تعدينها من قِبل غالبية المجتمع ولا يتمّ الكشف عن هوية مستعمليها، بعكس العملات الرقمية التي تتطلب تعريف المستخدم.

مثال على العملات المشفَّرة:

Bitcoin: وهي العملة الشهيرة التي تُستَعمَل ليس فقط كوسيلة دفع إنما كوسيلة إدخار، لذلك تُسمّى بالذهب الالكتروني. كذلك تستعملها بعض البلدان الخاضعة لعقوبات مالية لاستيراد احتياجاتها. مثلاً تقوم ايران منذ شهر تشرين الأول الماضي بإلزام من يقوم بتعدين عملة «البيتكوين» على أراضيها ببيع هذه العملة مباشرة إلى المصرف المركزي لاستخدامها في تمويل استيرادها

Ethereum: تُستعمل للعقود الذكية، بمعنى تسديد وتقييم العقود التجارية بين المتعاقدين الكترونياً.

XRP: وهي مصدّرة من قِبل شركة Ripple وتُعنى بتسريع التحويلات بين المصارف وهي تجمع ما بين العملات الرقمية والمشفرة.

وغيرها من العملات، حيث تشير آخر الاحصاءات إلى وجود ما يقارب 6700 عملة مشفّرة أسعارها تتقلّب بحسب العرض والطلب عليها.

مثال على العملات الرقمية:

Tether: وهي مرتبطة بالدولار، تقلّباتها محدودة جداً، تُصدرها جهة خاصة وتدخل ضمن فئة العملات الثابتة Stablecoins

Libra: كان من المفترض أن تصدرها مجموعة شركات Libra Association عبر موقع Facebook في سنة 2020، لكنها تلقى معارضة أميركية كبيرة، كونها سوف تطال 2,5 مليار شخص من مستخدمي الموقع، وفي حال نجاحها ستشكّل خطراً كبيراً على استعمال الدولار كالعملة الأولى عالمياً. ترتبط Libra بالعملات الخمس الأبرز عالمياً، وتتخذ من سويسراً مركزاً لها، لكنها لم تر النور بعد.

Digital Euro: ستكون شكلاً إلكترونياً لعملة البنك المركزي الأوروبي، وستكون في متناول جميع المواطنين والشركات لتسديد مدفوعاتهم اليومية بطريقة سريعة وسهلة وآمنة. من الممكن إطلاقها خلال العام 2021.

Digital Yuan: أو Digital Currency Electronic Payment (DCEP) الصينية. من المرجح أن يطلقها بنك الشعب الصيني كنسخة رقمية عن عملته اليوان في العام 2022.

Petro: العملة الرقمية في فنزويلا التي تمّ ربطها لفترة باحتياطي الذهب في فنزويلا ومن ثم ببرميل النفط الفنزويلي، واخيراً تمّ تركها لقوى العرض والطلب، وقد فشلت فشلاً ذريعاً ولم تحصل على أي اعتراف دولي بها وخصوصاً من أميركا.

الليرة الرقمية

الطريقة المتوقعة لاستعمال الليرة الرقمية هي على الشكل التالي: يمكن للمستهلكين والشركات تحميل المحفظة الرقمية على هواتفهم المحمولة وتعبئتها بالمال من حساباتهم في أي بنك تجاري. ومن ثم يستخدمون تلك الأموال، مثل النقود، لإجراء المدفوعات واستلامها مباشرةً مع أي شخص آخر لديه محفظة رقمية أيضاً.

يمكن لليرة الرقمية ان تواجه صعوبات. منذ الأزمة المالية، تحوّل لبنان الى مجتمع نقدي بشكل متزايد. حتى كبار التجار يفضلون استخدام النقد في تعاملاتهم نظراً للقيود الكبيرة على التعاملات المصرفية والبطاقات الإلكترونية. كيف يمكن إذاً في لبنان إقناع شعب عاد عشرات السنين الى الوراء، الى مبدأ «مخزنك عِبّك»، أن يقتنع بتسليم ما تمكن من سحبه من أموال من القطاع المصرفي الى هذا القطاع من جديد ولو تحت تسمية الليرة الرقمية؟ هو يريدها في خزنته، لا بل تحت وسادته ليلمسها لمس اليد، حيث ينطبق عليه المثل «يلي مكوي من الحليب بينَفِّخْ عاللبن».

هل يوجد حوافز لاستخدامها؟ نعم، اليكم كيف؟

منذ أن أصبح النظام المالي اللبناني نظاماً مغلقاً، أصبح في مقدور المصرف المركزي فرض ما يريد على المواطن. انّ الاستحصال على الليرة الرقمية يتطلب وضع المبلغ نقداً لدى المصرف في المقابل، وهذا ما لن يقوم به المواطن في الوضع الراهن. ولكن، تصوروا مثلاً أن يصدر تعميمٌ عن مصرف لبنان بفرض سحب الدولار بالليرة من المصارف على سعر 3900 ليرة بتطبيقات العملة الرقمية على الهواتف الذكية. أو أن يضع المصرف المركزي تسعيرتين لسحب الدولار من المصارف 3900 ليرة نقداً و 4500 ليرة عبر تطبيقات العملة الرقمية، معلّلاً الفرق بكلفة طباعة الليرة الورقية. تخيّلوا حينها كم ستنشط تجارة الليرة الرقمية مقابل الليرة الورقية.

نجاح التعامل بالليرة الرقمية أمر محتوم طالما دخل اللبنانيون والمصرف المركزي في لعبة العصا والجزرة، في نظام مالي مغلق لا مفرّ منه. «الليرة الرقمية من أمامكم والمصارف من ورائكم». نعم، هذه التجربة يمكن أن تنجح أكثر مما يتصوره كثيرون، وتعاميم مصرف لبنان كفيلة بذلك.

إيجابيات الليرة الرقمية:

– يمكن للمصرف المركزي مراقبة انتقال العملة الرقمية من محفظة الى اخرى، وبالتالي تتبع الموقع الدقيق لكل وحدة من العملة.

– في فترة اعادة هيكلة المصارف، بدلاً من الاعتماد على وسطاء مثل البنوك وغرف المقاصة، يمكن إجراء التحويلات المالية والمدفوعات مباشرة من الدافع إلى المستفيد دون المرور بالمصرف.

– في ظلّ التخوف الأمني من ازدياد سرقات المنازل وفقدان الثقة بالمصارف، تكون العملة الرقمية الوسيلة الآمنة «نسبياً» للاحتفاظ بالنقد، شرط أن تكون مقبولة من عموم التجار مهما صغر حجم أعمالهم.

– يمكن استعمال تطبيقات الليرة الرقمية للاستعاضة عن البطاقة التموينية في حال أقرّت الدولة خطة دعم مالية للبنانيين الذين يعانون من الفقر المدقع (شرط ان يكون ما زال في مقدورهم امتلاك هواتف نقّالة)

– تصغير حجم القطاع المصرفي الذي انتفخ بشكل كبير في السنوات الماضية وإعتماد العلاقة المباشرة بين المتعاملين.

– التخفيف من كلفة طباعة الأوراق النقدية والمتوقع ازديادها بشكل كبير في السنوات القادمة.

– تأمين انتقال سلس الى عملة جديدة في حال انهيار الليرة الى مستويات تتطلب ذلك.

– تسهيل التعامل بين المواطنين الذين يضطرون حالياً الى حمل رزم من الليرات للقيام بمدفوعات عادية.

– تجنّب طبع فئات كبيرة من النقد قد تصل الى الفئة المليون وأكثر في السنوات القادمة.

– دخول الهاتف الخلوي مع تطبيقاته الى كل بيت في لبنان يمكن أن يحقق الخرق الذي لم تتمكن بطاقات الدفع الإلكترونية من تحقيقه في عشرات السنين، حيث أنّ استعمال هذه البطاقات ما زال محدوداً في لبنان، رغم تشجيع المصارف لزبائنها للاستحصال عليها.

سلبيات الليرة الرقمية:

– نظرًا إلى أنّ الليرة الرقمية مركزية، بعكس العملات المشفَّرة، فإنّ المتحكمين بإصدار العملة الرقمية يمكنهم إضافة الأموال أو إزالتها من حساب أي شخص بكبسة زر. فيما تمنع العملات المشفّرة مثل Bitcoin هذا الخطر ما لم يوافق أكثر من 50% من ملايين المستخدمين على ذلك.

– تسمح الليرة الرقمية لمصرف لبنان بطبع عملة جديدة بسهولة لامتناهية، مما يعني زيادة الخطر التضخمي.

الخلاصة:

الليرة الرقمية تساعد بشكل كبير في يوميات التعامل، ولكن طبعاً لن يكون دورها حل كافة مشكلات الأزمة المالية أو النقدية.