حَجَبَ اليومُ الثاني من الإقفال التام في لبنان والأحد الأول من منْع التجوّل الكامل الأنظارَ عن «الحظْر» الذي ما زال مفروضاً على تأليف حكومةٍ يتجاذبها صراعٌ حول مواصفاتها يُخْفي «الوظائف» المتناقضة التي يراها الأطراف الوازنون في الداخل ولا سيما الائتلاف الحاكِم (يقوده حزب الله – التيار الوطني الحر) وامتداداته الإقليمية للتشكيلة الموعودة التي يريدها بشروطه الكاسِرة لمعيار الاختصاصيين غير الحزبيين وغير الموزَّعين على القوى السياسية، في مقابل استعجالٍ دولي لاستيلادها ضمن معادلة تُزاوِج بين مرونةٍ حيال بعض الضرورات التي يفرضها الواقع اللبناني المعقّد وبين عدم الاستعداد لتغطية حكومة «كيفما كان».
وفي حين «صَمَدَتْ» جديةُ السلطات اللبنانية بفرْض التزام قرارِ الإقفال التام الذي يتم التعاطي معه على أنه «الجُرْعة» الأخيرة لإنقاذ القطاع الصحي من «الموت مُتْخَماً» بعدّاد إصابات «كورونا»، لم يكن ممكناً غداة مغادرة الموفد الفرنسي باتريك دوريل الجزمَ بتأثير التحذيرات التي نَقَلها إلى كل مَن التقاهم بأن «وقت اللعب انتهى» وأن المزيد من التلكؤ في تأليف الحكومة سيضع لبنان أمام خطرخسارة إمكان الاستفادة ولو «بفلسٍ» من الدعم الخارجي.
وفيما يُنتظر أن يرفع دوريل تقريرَه الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي لم يُستبعد أن يعقد اجتماعاً لخلية الأزمة المكلفة متابعة الملف اللبناني في ضوء المبادرة التي كان أطلقها الاليزيه في سبتمبر الماضي، يسود تَرقّب إذا كانت باريس ستمنح مهلةً أخيرةً للبنانيين قبل تحديد مصير مؤتمر الدعم المفترض عقده الشهر المقبل قبيل زيارةٍ جديدة لسيد الاليزيه مرجّحة في فترة عيد الميلاد إما فقط لتفقّد وحدة بلاده العاملة في «اليونيفيل» أو لإجراء محادثات رسمية بحال كانت الحكومة شُكّلت.
وكان لافتاً أن مغادرة دوريل ترافقتْ مع إشاعةِ أن باريس لا تمانع المزيد من التراجعات عن جوهر مبادرتها في ما خص شكل الحكومة ولكن دون شروطها، في موازاة تسريباتٍ بأن تشكيلةً تكنو – سياسية لم تعُدْ «محظورة» بالكامل، فإن أجواء متقاطعة تشير إلى أن الرئيس المكلف سعد الحريري ثابِتٌ على رؤيته لحكومة اختصاصيين غير حزبيين مع مداورةٍ لا تستثني طائفياً إلا حقيبة المال (للمكوّن الشيعي) على أن يُتَفَّق على آلية واحدة لإسقاط التوزيع الطائفي للحقائب على أسماء لا تكون لها أي ولاءات حزبية وبعيداً من أي تَقاسُمٍ حصص سياسي.
ولم يَظْهر أمس أي «مفعولٍ» للتواصل «الاضطراري» الذي جرى بين الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بدفْعٍ من دوريل، رغم ملاحظة أوساط سياسية أن باسيل جدّد المطالبة بـ«وحدة المعايير التي يسرّع الالتزام بها تأليف الحكومة، وهي احترام الشراكة المتكافئة بين المكوّنات اللبنانية وتفادي الجمع بين حقيبتين بيد وزير واحد، اضافة الى كيفية اعتماد الحقائب وتسمية الوزراء على أسس متكافئة باحترام مبدأ التخصصية»، قبل أن يدخل أمس على خط «الحرب الإعلامية» داخل الفريق الرئاسي بين وزيرة العدل ماري – كلود نجم (من حصة الرئيس عون) ورئيس لجنة المال البرلمانية ابراهيم كنعان (من التيار الحر) حول التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وتعديل قانون السرية المصرفية معتبراً «أن التيار واحد وحاسم بإزاء هذا المطلب (التدقيق الجنائي) وكل كلام عن تقديم قانون إضافي، اذا لزم واذا تأمّن اقراره، هو من باب الحرص على إتمام التحقيق وليس عرقلته».
وبينما ينشغل اللاعبون السياسيون بشدّ الحبال فوق «أبواب جهنّم» التي يطرقها لبنان، قرع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في أحدث تقرير له حول القرار 1701 ناقوس الخطر، داعياً كل القوى السياسية «لتسهيل تشكيل حكومة تتمكن من وضع خطة اقتصادية تيسّر معاودة المناقشات مع صندوق النقد الدولي»، معبّراً عن «قلقه البالغ من توقعات تفاقم انعدام الأمن الغذائي والفقر في لبنان، وكذلك من التقارير هن أن اللبنانيين بدأوا بالهجرة غير النظامية عن طريق البحر»، ومؤكداً أن «امتلاك حزب الله للأسلحة خارج سيطرة الدولة يمثل انتهاكاً خطيراً للـ 1701».