مسار تأليف الحكومة منفصل تماما عن العقوبات الاميركية بحق عدد من الشخصيات اللبنانية التي كان آخرها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، بدليل ان الاشكال الذي ادى الى فرملة المشاورات، كان سابقا للعقوبات، واستمر لاحقا.
وتجزم مصادر قريبة من قصر بعبدا ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لا يربط بين الملفين ولا يجد تأثيرا، قائلة: في نهاية المطاف على رئيس الحكومة المكلف ان يحضر تشكيلة او توليفة ويرفعها الى رئيس الجمهورية الذي يوافق او يصحح او يصوب …او حتى يرفض، وبالتالي يحصل نقاش حول الموضوع من خلال اعتماد المعيار الواضح.
وذكرت المصادر عبر وكالة “أخبار اليوم” ان الرئيس عون يريد تأليف “حكومة مهمة” – هذا الكلام لم يتغير – من اجل تبني مبادرة الانقاذ الفرنسية بشقها الاقتصادي ويضيف اليها ايضا الاصلاحات الاخرى الجوهرية والبنيوية، كما على عاتق تلك الحكومة اعادة اعمار واجهة بيروت البحرية، والولوج الى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، احياء اجتماعات مجموعة الدعم الدولية في باريس، وفتح مجالات التعاون مع الدول والصناديق المانحة.
وردا على سؤال، اوضحت المصادر انه لم يتغير شيء لا قبل ولا بعد العقوبات، لم تسهل عملية التأليف ولم تتعقد، على الرغم من انها حدث كبير جدا وطال رئيس اكبر تكتل نيابي ليس فقط على المستوى الطائفي بل ايضا على المستوى المجلسي ووزير خارجية سابق، لكن ربط تأليف الحكومة وتعقيداته بهذه العقوبات هو “شماعة”، كما ان المشكلة ليست في المبادرة الفرنسية ولا في موقف هذا السفير او ذاك، بل عند الرئيس المكلف الذي عليه ان يقتنع- ولعله بدأ يقتنع- ان وحدة المعايير هي التي تمكن من تأليف الحكومة.
واذ استطردت الى الاشارة لكلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي دعا فيه الى تشاور وطني عريض لتأليف “حكومة مهمة”، قالت: بالنسبة الى رئيس الجمهورية هذا الموقف يلاقي مطلبه الدستوري، اذ لا بد من تشاور وطني عريض من اجل تأليف حكومة انقاذ. واضافت: في دول العالم التي تعاني مثل الازمات التي يمر بها لبنان يتم الاتجاه نحو حكومة اتحاد وطني، لكن عندنا يحصل امر آخر يتمثل بنقل مجلس النواب الى الحكومة فتغيب المحاسبة وتبدأ المحاصصة. لذا كان الخيار نحو حكومة اختصاصيين واخصائيين مقتدرين كفوئين وغير مرتبطين باجندات حزبية، ولكن هذا لا ينفي التشاور الوطني العريض والاتصال مع كافة الافرقاء لان اي حكومة اصلاحية تحتاج الى دعم برلماني والى تجانس يسهّل سنّ القوانين، علما ان الاصلاحات تحصل بكبسة زرّ.
وبالنسبة الى موقف الرئيس المكلف، اجابت المصادر: اراد الحريري انقاذا وحلولا – وهذا ما يريده لا سيما من خلال التماهي مع الفرنسيين – عليه ان يسدد الخطى، واذا اصبح اسيرا لوعود كثيرة قطعها، يستطيع فكها فـ “زعل” اطراف او شخصيات افضل من القضاء على شعب وانهيار بلد ببنيانه الكامل. اما اذا كان لديه اشكالية مع الاميركيين في موضوع حزب الله فعليه ان يصارح الجميع على غرار ما فعل باسيل وان دفع الثمن.
وشددت المصادر على ان الحريري يستطيع ايجاد الحلول لاشكالياته بالتعاون مع رئيس الجمهورية، واضافت: لبنان بلد ديموقراطي متنوع وطوائفي بامتياز، وبالتالي كما تم الوقوف عند خاطر الثنائي الشيعي، والزعيم الدرزي ، وتيار المستقبل من خلال الرئيس الحريري الذي يشكل ضمانة لهذا المكون، لا بد من الوقوف عند خاطر الاطراف الاخرى.
هنا دعت المصادر الرئيس الحريري الى اجراء تواصل مع كافة الاطراف على غرار ما فعل الموفد الفرنسي باتريك دوريل حيث شملت جولته كافة الاطراف دون استثناء اكانت راغبة بالمشاركة في الحكومة او اختارت المعارضة. واشارت الى ان “القوات” اخذت موقفها بعدم المشاركة بالحكومة. اما تكتل لبنان القوي، فلم يتخذ بعد اي قرار، لذا لا بد للحريري من ان يتواصل معه للوصول الى الحلول، على ان يعود القرار الى رئيس الجمهورية في اطار التشاور مع رئيس الحكومة المكلف، وفقا لما نصّ عليه الدستور.
وهل هذا يعني السعي الى الثلث المعطل، جزمت المصادر ان احدا لا يطالب بالثلث المعطل، وهو مفهوم لا يلتقي مع وزراء الاختصاص بمهمة انقاذ، فهل الهدف التعطيل او الانقاذ ؟!
وعن الاجتماعات التي تحصل في باريس وكان آخرها اللقاءات التي اجراها وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو؟ قالت: هناك تقارب وتفهّم لوجهات نظر معينة، انطلاقا من ان المبادرة الفرنسية بحد ذاتها بحاجة الى انعاش، وهذا ما يسعى اليه الفرنسيون، ويعرفون مدى تأثير العقوبات على مبادرتهم.
وما مدى تأثيرها على الداخل؟ اوضحت المصادر: ليس هدفنا انعاش المبادرة الفرنسية بقدر انقاذ البلد والخروج من الازمة الخانقة، وبالتالي على الحريري ان يصل الى مثل هذه القناعة، فيوسع صدره وبيكاره ليكون عند آمال الشعب اللبناني والاستحقاقات الكبيرة المنتظرة وهي كيانية وبنيوية على كل المستويات خصوصا لجهة ما يجري في الجنوب من تفاوض دقيق وحساس ومناورات عسكرية تنبئ بما تنبئ!
وختمت: المهم ان يصل الحريري الى خلاصات وحلول قد تحاكي المبادرة الفرنسية من ناحية المواصفات، لكن من خلال اتفاق سيادي لبناني.