كتب معروف الداعوق في صحيفة “اللواء”:
الخلاصة التي تكونت لدى الموفد الفرنسي باتريك دوريل بعد جولته على كبار المسؤولين والزعماء السياسيين لاستشكاف مواقفهم والاطلاع على أسباب تعثر تشكيل حكومة الاختصاصيين استناداً إلى المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس ايمانويل ماكرون لدى زيارته الأخيرة إلى لبنان، أظهرت انقساماً واضحاً في مواقفهم وتوجهاتهم في كيفية تنفيذ مضمون المبادرة وتشكيل حكومة الاختصاصيين الإنقاذية على أساسها.
وبالرغم من تبلغه من هؤلاء المسؤولين والزعماء استمرار تأييدهم للمبادرة المذكورة، الا انه لم يجد صعوبة في الاستنتاج بأن بعض هؤلاء يحاول تطويع المبادرة لمصلحته، فيما يحاول البعض الآخر الالتفاف عليها أو تفسيرها حسب رغباته ومصالحه السياسية حيناً أو الشخصية في بعض الأحيان.
فما سمعه الموفد الفرنسي من رئيس الجمهورية بداية، بأن الحكومة الجديدة تتطلب توافقاً وطنياً واسعاً لتتمكن من تحقيق المهام المطلوبة منها بالتعاون مع مجلس النواب واشارته إلى أهمية التشاور الوطني العريض وربطه التأخير بتشكيل الحكومة بالعقوبات التي استهدفت سياسيين لبنانيين، وهي مواصفات وتعابير لم تكن مطروحة لدى تسمية الرئيس المكلف استناداً إلى المبادرة الفرنسية حصراً، باعتبارها فرصة فريدة ومواتية لإنقاذ لبنان من منحدرات الانهيار الذي يتجه إليه سريعاً، يؤشر بوضوح إلى محاولة مكشوفة لتجاوز المبادرة الفرنسية والسعي لتشكيل حكومة بتركيبة مختلفة، تقارب أو تشبه الحكومات السابقة مع علمه المسبق باستحالة تشكيل مثل هذه الحكومات بالمواصفات التي يطرحها حالياً، في حين يعلم القاصي والداني ان الهدف المطلوب من وراء طرح هذه المواصفات المستجدة للحكومة الجديدة هو إفساح المجال امام تمثيل مباشر أو غير مباشر لصهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل واعطائه مساحة اوسع في المشاورات والاتصالات السياسية الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة، مع العلم ان كل الاستشارات والمشاورات التي جرت، قبل تسمية الرئيس المكلف وبعدها، تمت حسب الأصول المتبعة ومع سائر الكتل النيابية ولم تسثنِ أي كتلة كانت.
ولم يقتصر الأمر عند ما طرحه رئيس الجمهورية من صيغ ومواصفات لا تتطابق مع متطلبات تنفيذ المبادرة الفرنسية، فما طرحه رئيس كلتة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد بخصوص التفسيرات المطلوبة وآلية تنفيذ المبادرة الفرنسية واختلاف نظرة البعض في كيفية تنفيذها ولاسيما مواصفات حكومة الاختصاصيين المطلوبة، يزيد من الشكوك والتساؤلات حول مدى استمرار التزام هؤلاء الأطراف بتأييد ودعم تنفيذ المبادرة المذكورة، وما إذا كان ما تبلغه الموفد الفرنسي يؤشر في مكان ما إلى محاولات هذا الطرف أو ذاك لاستبدال حكومة الاختصاصيين، بحكومة مختلطة من سياسيين واختصاصيين، تعبّر عن رغبات وتطلعات بعض هذه الأطراف بتمثيل مباشر أو غير مباشر فيها، وتحاكي في تركيبتها شكل حكومات الوحدة السابقة أو ما يشبهها، الأمر الذي لم يعد مقبولاً ولا ينطلي في الداخل والخارج معاً.
ولكن يبقى الأهم، في كل اللقاءات التي عقدها الموفد الفرنسي، اللقاء مع الرئيس المكلف سعد الحريري الذي اتسم بالجدية والتأكيد على موقفه الثابت، والتزامه كلياً، قبل تسميته لتشكيل الحكومة وبعدها، بالمبادرة الفرنسية بكل مضامينها، لتشكيل حكومة اختصاصيين شكلاً ومضموناً، بالرغم من اعتراضات البعض أو محاولته تبديل أو تغيير شكل هذه الحكومة بأساليب وتسميات ملتوية ومختلفة، لأن أي حكومة لا تحظى بالمواصفات الحقيقة لحكومة الاختصاصيين المشهود لهم من القيام بالمهمات المنوطة بها لاجراء الإصلاحات الضرورية في سائر المؤسسات والإدارات الرسمية التي تشكّل مصدر هدر للمال العام بلا فائدة وتباشر متطلبات حل الأزمة المالية والاقتصادية بحرفية وشفافية، لن يكتب لها النجاح، ولن تحقق الثقة المفقودة بين الدولة من جهة والشعب من جهة ثانية والمجتمع الدولي أيضاً.
ولذلك، وبعد ما سمعه الموفد الفرنسي من سائر الأطراف اللبنانيين وتكراره مراراً لأهمية تنفيذ المبادرة الفرنسية وحرص فرنسا الدائم على مساعدة لبنان من خلالها ليتمكن من الخروج من أزماته المتلاحقة، وبعد صدور أكثر من موقف دولي بخصوص ضرورة تشكيل حكومة إنقاذ توحي بالثقة ولاسيما الموقف الأميركي، لم يعد بإمكان أي طرف التهرب أو الالتفاف على مضمون المبادرة الفرنسية ومواصفات حكومة الاختصاصيين المطلوبة، لأنها ستلقى مصير الحكومة المستقيلة الفاشلة ولن يكتب لها النجاح ابداً وستبقى معزولة عربياً ودولياً.