نصير العجيلي – “العربية”:
على مدى السنوات الماضية، وضعت كتائب حزب الله العراق، المدعومة من إيران، مسألة استقطاب الشباب والتغلغل في المجتمع العراقي بقوة في قائمة أولوياتها.
فلم تكتف بإنشاء جمعية كشافة الإمام الحسين، التي تقوم بنشاطات اجتماعية تهدف عبرها إلى تجنيد موالين مستقبليين أوفياء، بل عمدت إلى تجنيد شباب يافعين للتجسس على القوات الأميركية وتحركاتها، فضلاً عن محاولة إسكات أي صوت ينتقد إيران والميليشيات الموالية لها عبر الترهيب والوعيد.
ولعل خلايا ظل التي روجت لها قناة “صابرين نيوز” على التليغرام التابعة لتلك لكتائب حزب الله، لأبسط دليل على تلك الأهداف. فقد دعت صراحة العراقيين للانضمام إلى خلايا الظل التابعة لحزب الله برسالة بثت في 21 آب ثم أُزيلت بعد فترة، وجاء فيها “كن مُقاوماً من حيث أنت، وانضم إلى خلايا الظل لإرسال صور ومقاطع مصورة أو معلومات عن أي تحركات للعدو الأميركي”.
وقد حصد إعلان القناة 14.400 مشاهدة قبل أن يحذف في أوائل ايلول، وكان من الواضح أنها دعوة صريحة موجهة إلى الشباب للانضمام إلى صفوف حزب الله من مدنهم وقراهم، وقناة لتجنيد مقاتلين مستقبليين.
ومن الكشافة إلى القناة، وصولا إلى المؤسسات التابعة لتلك الكتائب التي تعمل على نشر عقيدتها، يأتي “مركز الهدف للأبحاث” الذي يعمل ضمن هدف التغلغل في المجتمع العراقي.
ويطلق هذا المركز العديد من ورشات العمل والتدريب التي تسعى إلى ترسيخ مبدأ ولاية الفقيه.
وعلى الرغم من مساعيها هذه للتوسع في النسيج العراقي، وممارسة الضغوط على عدد من السياسيين في البلاد، إلا أن مصادر مطلعة أوضحت للعربية.نت أن نفوذ تلك الميليشيات تضاءل بعد مقتل نائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في كانون الثاني الماضي.
تحدي الدولة
وذكرت تلك المصادر المحلية أن الخطوات مستمرة لدمج بعض فصائل وحدات الحشد الشعبي بشكل كامل في سلاسل القيادة والهياكل الحكومية التي كانت موجودة قبل عام 2014، مضيفة أن مثل تلك الخطوة إذا تحققت فستقلل إلى حد كبير تأثير مثل تلك الجماعات المسلحة.
كما أضافت أن ميليشيا كتائب حزب الله واحدة من عدة ميليشيات مسلحة مرتبطة بإيران تنشط في العراق، لكنها تعتبر منذ فترة طويلة الخطر الأكبر على طموح الحكومة العراقية، من خلال احتكار استخدام القوة داخل بعض المناطق، واحتفاظها بأراضٍ في العراق، مشيرة إلى أنه حتى المسؤولون الحكوميون ممنوعون من دخول تلك المناطق، ومنها جرف الصخر مركز عمليات حزب الله العراقي جنوب بغداد.
إلى ذلك، أكد مسؤولون أمنيون محليون في محافظة ديالى الحدودية “أن بعض ألوية كتائب حزب الله دمجت بالفعل في وحدة الحشد الشعبي التي تتقاضى رواتب من الحكومة العراقية، كجزء من محاولة لكبح جماح تلك الميليشيات، لكن مع ذلك، يواصل العديد من مقاتليها العبور من وإلى سوريا وإيران”.
خطر متزايد
من جانبه، رأى رئيس مشروع المواطنة العراقي، غيث التميمي، في تصريح للعربية.نت أن تلك الكتائب تحاول منذ سنوات عدة أن تؤسس حاضنة اجتماعية لها، مستفيدة من الاصطفافات الطائفية في البلاد.
وتابع لافتا إلى أن حزب الله أسس بالفعل حاضنة لا يستهان بها في البلاد، تضم شيوخ عشائر وظفهم وجندهم لمصالحه الخاصة بطريقة أو بأخرى، وكذلك أسس لحاضنة ميليشياوية خطيرة، وأخذ شبابا عراقيين أغلبهم أميون من الطبقة المسحوقة ونقلهم إلى إيران، حيث تلقوا تدريبات ومفاهيم تتناقض مع منظومة الدولة.
كما تمكن بالنتيجة من تكوين حاضنة محمية بكتل سياسية وبإعلام يخدمها، ابتداء من قناتهم الخاصة ووصولا إلى 53 قناة فضائية يمولها ما يسمى اتحاد القنوات الإسلامية، بحسب تعبيره.
“ثورة تشرين”
إلا أنه شدد على أن ثورة تشرين الشبابية التي انطلقت في تشرين الاول 2019 عمدت إلى إسقاط تلك المنظومة، مخففة من تأثيرها، ومذكرة بالهوية العراقية الجامعة لكل المواطنين.
كما أشار إلى أن الحاضنة الاجتماعية التي كانت تمثل العمق الاستراتيجي لكتائب حزب الله ولمنظومته في العراق، ضعفت بعد مرور عام على انتفاضة تشرين، إذ اكتشف العراقيون أن حزب الله تنظيم غادر يريد أن يطيح حتى بالمرجعيات الدينية في العراق، ومنها السيستاني وغيره من المراجع الشيعية التقليدية.
إلى ذلك، شدد على أن حزب الله استخدم عمليات القتل والخطف والترهيب ضد الشباب في وسط وجنوب العراق المشاركين في المظاهرات، وقد أدت كل تلك العوامل مجتمعة في المناطق الشيعية إلى بروز رفض حقيقي مجتمعي لمنظومة إيران.
استغلال الفقر والبطالة
من جانبه، قال المحلل الاستراتيجي والخبير في شؤون الجماعات المسلحة رعد هاشم للعربية.نت، إن حزب الله هيمن على منافذ الدولة ومقدراتها التي تدر له منافع كبيرة وسيولة هائلة، وعمل على جذب الفتية وإغرائهم للتطوع بين صفوفه وتدريبهم على السلاح.
كما أضاف أن تلك الميليشيات استغلت حاجة بعض الفئات العمرية الشابة للعمل وسط انتشار البطالة، كما سعت إلى استقطاب بعض الفئات الأخرى غير المتعلمة والبسيطة التي لا تقوى على توفير قوتها اليومي، عبر باب الحاجة.
جماعات مسلحة شبحية
بدوره، أوضح د.مهند الجنابي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان للعربية.نت، أن كتائب حزب الله هي رأس الحربة في ما يتعلق بمجموعات النخبة التي تعتمد عليها إيران من أجل تكوين وكيل عسكري ضاغط على الحكومة العراقية وعلى حلفاء العراق، والتمدد سياسيا والتغلغل في جسد المؤسسة الرسمية العراقية، وصنع القرار بقوة السلاح.
كما نبه إلى أن السيطرة لا تتوقف على المؤسسات والتواجد العسكري بل الخطورة تكمن في الرغبة الإيرانية بتشكيل نسخة عراقية عن الحرس الثوري وأدواره.
وأضاف الجنابي أن محاولة الكتائب التغلغل اجتماعيا جاءت عبر إنشاء مكاتب ودورات دينية في مدينة النجف تحديدا، في تحد لسلطة السيستاني الذي لا يؤمن بالولاية المطلقة على نهج ولاية الفقيه الإيرانية.
وتابع قائلا: “إن إيران عمدت إلى تنفيذ هذا الهدف عبر وكلائها، ومنهم حزب الله وحزب الدعوة، ومازالت مكاتبهم موجودة وقد أنتجت مقاتلين في سوريا منذ عام 2011، فضلا عن جماعات مسلحة شبحية ظهرت في اذار 2020 لتستهدف القوات الأميركية مثل أصحاب الكهف وعصبة الثائرين وغيرها”.
كما أكد أن تلك الفصائل الولائية لإيران أنتجت مجموعات جديدة تمارس نفس دور قوات الشرطة المجتمعية في إيران، تحت مسميات “ربع الله” و”ربع الشايب” و”أبو جداحة” و”المجموعات الخاصة” .
نسخ تجربة الحرس الثوري
إلى ذلك، أكد الجنابي أن نسخ تجربة الحرس الثوري في العراق تهديد للسلم المجتمعي وللحريات.
وقال “كل الأفعال التي ينفذها حزب الله خارجة على القانون، لا سيما الهجمات على السفارات والقنوات الفضائية والمقرات العسكرية”.
بدوره، رأى رائد العزاوي، أستاذ القانون الدولي في تصريح للعربية.نت أن تغلغل حزب الله في العراق ليس جديداً بل بدأ مع انطلاق العمليات العسكرية للحشد الشعبي.
مدارس ومؤسسات.. على خطى حزب الله لبنان
كما اعتبر أن تشكيل حزب الله العراقي عمل مشابه تماما لحزب الله اللبناني الذي تأسس عام 1981، وتوسع اجتماعيا عبر تقديم خدمات طبية ومساعدات للناس ومعالجة المرضى وإنشاء المدارس، مع الاستثمار في عمليات ضخمة لتمويل عملياته، ولهذا يعتبر ثاني حزب في العراق يملك رأسمال مدورا في القوى السياسية المسلحة بعد حزب الدعوة، كما يملك مصانع للسلاح خاصة الطلقات النارية وقذائف RBG التي تتم عمليات شحن موادها الأولية من إيران وتكملة صناعتها في مدينة جرف الصخر في العراق.
إلى ذلك، أشار إلى أنه ينشط مشاريعه لتغيير التركيبة الديموغرافية في صلاح الدين ونينوى وحزام بغداد وديالى.
وختم محذراً من أن تعامل حزب الله ومنظومته مع الشارع العراقي، يشي بأنه تعامل الباحث عن البقاء لأطول فترة ممكنة، عبر السيطرة على العقول والأفئدة وبالتالي التغيير الديموغرافي.