لم يكن ينقص عملية تشكيل الحكومة العتيدة، المعقدة أصلا إلا ضربة دولية بحجم العقوبات الأميركية على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، لتزيد الطين بلة، وتصعّب المهمة على الرئيس المكلف سعد الحريري، بذريعة ضرورة تأمين التوافق الوطني الشامل حول عملية تشكيل فريق وزاري كان من المفترض أن يفرش الجميع طريقه بالورود، بدلا من زرع الألغام المطلبية، لتكريس المعادلات البعيدة المدى، والرئاسية الأهداف والمقاربات.
هذه القراءة تقدمها إلى “المركزية” مصادر سياسية مراقبة، قبل أيام على اكمال استشارات التكليف شهرها الأول، في 22 تشرين الثاني الجاري. ذلك أن المسار الذي سلكه التأليف منذ إنطلاقه مر بمحطات كثيرة من الجهد في إظهار إرادة في استيلاد الفريق الوزاري سريعا تجاوبا مع الضغط الدولي، إلى التنازل الذي قدمه الحريري إلى الثنائي الشيعي في ما يخص وزارة المال، بغض النظر عن مبدأ المداورة الذي حمل الرئيس المكلف لواءه باكرا أيضا.
لكن كل هذا في واد وما جرى بعد العقوبات الأميركية في حق باسيل في واد آخر. وفي هذا الاطار، تشير المصادر إلى أن أحدا لا يمكن أن يشك في أن العهد والمحسوبين عليه تلقوا الرسالة الأميركية القاسية وفهموا ما بين سطورها جيدا: الطموحات الرئاسية لباسيل، الحليف الأول لحزب الله، والذي يؤمن “الغطاء لفساده”، على حد قول سفيرة الولايات المتحدة في بيروت دوروثي شيا، لا تناسب متطلبات ونظرة المجتمع الدولي للبنان في مرحلة ما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، خصوصا أن صرخات كثيرة علت منذ بداية العهد احتجاجا على تصرفات قادت لبنان إلى السباحة في فلك الممانعة.
على أي حال، فإن بعبدا والمقربين منها تيقنوا أيضا أن العقوبات، أيا تكن أسبابها تشكل ضربة معنوية قوية لباسيل، الرجل القوي في عهد القوة، والعنصر الأساسي في أي مفاوضات حكومية أو متمحورة حول القضايا الكبرى كالتعيينات والقوانين الانتخابية. تبعا لذلك، تعتبر المصادر أن مضمون اللقاء ما قبل الأخير بين عون والحريري، يوم الاثنين 9 تشرين الثاني يشكل ما يشبه الهدية المعنوية من عون إلى باسيل، ليحفظ له مكانا على الساحة المحلية، حتى نهاية عهده على الأقل، عله بذلك يكرسه مرشحا طبيعيا لخلافته برغم المعارضة الشرسة التي قد يواجهها هذا الاحتمال. من هذا المنطلق، تفسر المصادر ما نقل عن عون لجهة طلبه إلى الحريري التوافق مع كل القوى السياسية حول الحكومة العتيدة، قبل العودة إلى القصر الجمهوري ليبنى على الشيء مقتضاه. وفي ذلك إشارة واضحة من عون إلى الرئيس المكلف بضرورة التواصل مع رئيس التيار الوطني الحر في الملف الحكومي، مع العلم أن ميرنا الشالوحي كانت أعلنت مرارا عدم رغبتها في المشاركة المباشرة في الحكومة. إلا أن العزف الدائم على وتر “وحدة المعايير” في التأليف يؤشر إلى أن للعونيين كلمتهم في تسمية الوزراء المسيحيين، في مقابل السماح للثنائي الشيعي بالاحتفاظ بوزارة المال، وتحديد هوية شاغلها. كلها مخاوف دلت إليها الاخفاقات المتكررة في المواعيد التي ضربت لذلك، والكلام عن الكباشات حول الحقائب الخدماتية، لاسيما الطاقة والاتصالات.