كتبت مريم مجدولين لحام في صحيفة نداء الوطن:
للقمع والتضليل وجوه كثيرة، وأهمّ مبدعيه ساسة لبنان، على نسق “أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب”… حضر الوزير وهبة الإجتماع الذي كان مُنعقداً لتبادل الآراء وتنسيق الجهود للدفاع عن حرية الإعلام على المستوى العالمي، ومن ثم كشفت مؤسسة “مهارات” التي تُعنى بقضايا الإعلام وحرية التعبير، أنّ حضوره كان صورياً فضفاضاً اتسع للتنصّل من المهمّ. فما هي الرسالة المكتوبة بين سطور هذا التملّص؟ وهل هناك نية حكومية للتضييق على حرية عمل الصحافيين أكثر؟
جرعة حقيقة
استبشر اللبنانيون خيراً عندما رأوا تغريدات وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة من الاجتماع الوزاري على حسابه الرسمي عبر “تويتر”، الذي عبّر فيه بثلاث لغات مختلفة، عن سروره بالمشاركة في الإجتماع الوزاري الأول لتحالف حرية الإعلام، بدعوة من وزير خارجية كندا فرانسوا فيليب شامباين ووزير خارجية المملكة المتّحدة دومينيك راب، وكانت نبرة حديثه تتمتّع بتغنٍّ مرتفع بالحرّية، جازماً فيها بأنّ “حرية الإعلام ولبنان توأمان لا ينفصلان”، وفي المحصلة تخلّف بلدنا بفضله عن حملة التواقيع التي ضمّت 36 دولة من أصل 37 عضواً في “تحالف من أجل حرية الإعلام” الذي أدار جلسات الحوار خلاله وزير الخارجية الكندي، وحضره ممثّلون عن حكومات ومنظّمات المجتمع المدني وأكاديميون ومنظّمات دولية.
من حيث المبدأ، يقف من لا يوقّع على هذا البيان الختامي الرسمي للإجتماع الوزاري ضدّ كل ما ورد فيه من اتفاق، أو على الأقلّ، يتموضع في مكان المتحفّظ على مضمونه الذي نصّ على “تعزيز المساءلة لأولئك الذين يؤذون الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، أو يقيّدونهم بلا داعٍ عن أداء عملهم”. كموقّعين، أي الجميع إلّا بلادنا، التزم كلّ عضو “بالعمل معاً لتحسين حرية الإعلام وسلامة الصحافيين في الداخل والخارج”، مُعترفين بأنّ “الإعلام الحرّ هو حجر الزاوية في الديموقراطية، إذ يحتاج الناس إلى وسائل إعلام حرّة ومستقلّة لتزويدهم بمعلومات دقيقة تُسائل الحكومات وتعمل كحارس للمصلحة العامة”، معربين عن الإنزعاج من “التدهور المستمرّ في حرية الإعلام مدفوعاً جزئياً بصعود الإستبداد واستخدام التقنيات الرقمية لتقييد حرية الإعلام الذي أدّى إلى قوانين تقييدية غير ضرورية، ومراقبة تعسفية و/ أو غير قانونية، ورقابة، وتدخّل غير مبرّر في تداول المعلومات عبر الإنترنت، وعنف جسدي، وتفاقم بسبب التهديدات المالية لاستقلال وسائل الإعلام واستدامتها”.
وبالتالي، لا يمكننا لوم الوزير على قول الحقيقة، ففعلياً، لبنان الذي فقأ عيون المتظاهرين، واستدعى الصحافيين الإستقصائيين إلى التحقيق، ورمى الناشطين بالرصاص الحيّ، لا يندرج سوى ضمن الدول البوليسية، التي تقول ما لا تفعل، وتعِد بما لا تنفّذ، وإعلامها يتملّق ولا يكشف المستور. “أمّا المفارقة فإنّه، وبالتزامن مع موقف لبنان الرسمي، وصل بمؤسساته المدنية إلى القائمة النهائية للفوز بالجائزة التي منحها منظّمو المؤتمر نفسه عبر مؤسسة سمير قصير”، بهذه الكلمات عبّر المسؤول الإعلامي لمركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية “سكايز”، جاد شحرور لـ”نداء الوطن” عن سخرية الصُدف، مؤكّداً أنّه “غير متفاجئ بتصرّف الوزير، وهو تصرّف غير مستبعد بالتزامن مع مسعى الحكومة ككلّ لكبح حرية التعبير، لا بل متوقّع في سياق التضييق على عمل الصحافيين في لبنان، والإنتهاكات المتعدّدة واليومية المتزايدة بعد ثورة 17 تشرين، وبخاصة بعد تراجع مرتبة لبنان في الحرّيات إلى المرتبة 102، وبعدما تطرّقت منظّمات عدّة، ومنها “هيومن رايتس ووتش” في أكثر من بيانٍ وتقرير، إلى التضييق الحاصل على حرّية التعبير في لبنان”.
من جهتها، أوضحت ليال بهنام من “مهارات”، لـ”نداء الوطن”، أنّهم حاولوا التواصل مع وزير الخارجية أكثر من مرّة لتبرير تمنّع لبنان عن التوقيع على البيان الختامي من دون جدوى، وأنّ “مهارات” طالبت الخارجية اللبنانية بتوضيح “سبب عدم توقيع لبنان على البيان الختامي، وما إذا كان يحمل بخلفياته قراراً سياسياً واضحاً بعدم دعم وتعزيز حرّية الإعلام والصحافة في مرحلة دقيقة من الإنتقال الديموقراطي الذي يستوجب مزيداً من تعزيز دور الصحافة الحرّة في المساءلة، على أمل أن نحصل على إجابة واضحة، لاسيما أنّ ذلك يأتي في ظلّ تراجع مستوى الحرّيات في لبنان وتزايد الإعتداءات والتوقيفات والتضييق على الصحافيين والناشطين، وفي ظلّ الممارسات التي تعيق الوصول إلى المعلومات، وتمنع الصحافيين من القيام بدورهم الرقابي على السلطات السياسية”. وهل أن الوزير لم يوقّع كونه وزيراً في حكومة لتصريف الأعمال؟ اجابت: “حضوره لا يمكن أن يكون منتقصاً، والبيان هو التزام مبدأ ويرسل صورة “موافقة” على مستوى حكومي للبلاد على حماية حرّية التعبير وصونها، بخاصة أنّ لبنان قد هلّل سنة 2019 لدخول هذا الإئتلاف شبه وحيد بين الدول العربية، والتوقيع عليه ليس فيه التزام مادي كي يرفض التوقيع عليها، خصوصاً وأنّه يدين بشكل قاطع جميع الهجمات والعنف ضدّ الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، مثل التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والإختفاء القسري والإحتجاز التعسفي، فضلاً عن الترهيب والمضايقة في كلّ من حالات النزاع وغير النزاع”.
حتّى الساعة، اتّخذت الخارجية مركز “المتلعثم” أو “أخرس أطرش أعمى”، وربّما يصدر عن الوزير وهبة تبرير واستنكار من “فاشونيستا” الإعلام وربّما لا، إلا أنّ الواقعة قد وقعت، ودخل لبنان في مِحور القمع من بابه العريض من دون رجعة!