كتبت كلير شكر في صحيفة نداء الوطن:
بمعزل عما تختزن العلاقة الثنائية بين رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري ورئيس التيار “الوطني الحر” جبران باسيل من تراكمات واتهامات متبادلة بلغت أحياناً حدّ نبش قبور الخلافات العتيقة، يسود الاعتقاد بأنّ رئيس الحكومة المكلف يتعامل مع العهد وفريقه السياسي، على قاعدة أنّه الحلقة الأضعف، وأنّه أكثر المتضررين من تأخير التأليف ودفع الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية إلى خطوطها الحمراء.
مع عودة الحريري إلى مربع التكليف، الذي رفض “الوطني الحر” خلاله تبني تسميته وحجب عنه أصواته، رفع العونيون شعار وحدة المعايير. فالرئيس المكلف سيعود عاجلاً أم آجلاً إلى رئاسة الجمهورية للحصول على توقيعها على مرسوم الحكومة، وبالتالي ستكون هناك استحالة لتجاوز المحور العوني حتى لو كان في مرحلة التكليف، على ضفّة بعيدة.
وحدة المعايير تعني بنظر العونيين، أن ما يجوز على الآخرين، وتحديداً الثنائي الشيعي و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، سيسري حكماً على “التيار الوطني الحر”. وطالما أنّ الحريري أعطى كلمته لكل من “حزب الله” و”حركة أمل” كما لرئيس “التقدمي” وليد جنبلاط، لتسمية وزرائهم، فسيكون من الصعب جداً أن يستثني رئيس الحكومة المكلف الفريق العوني من هذه القاعدة. وإذ بالحريري يتصرف على قاعدة “ما لي لي، وما لكم لي ولكم”، كما يقول العونيون.
لا يملك العونيون جواباً حاسماً على ما اذا كانت شهية الحريري هي التي تضخّمت حين بلغت عتبة الحصة المسيحية، أم أنّ رئيس الحكومة المكلف هو واجهة المطالب الفرنسية. كل ما يتسرب من الإدارة الفرنسية يشي بأنّ باريس معنية بأسماء حقائب محددة بشكل خاص: الطاقة، الأشغال، المالية والاتصالات. ولكن ما أصاب العونيين بالذهول هو أنّ الحريري راح يقاسمهم كل الحقائب المفترض أنّها من حصة رئيس الجمهورية وحصة “الوطني الحر”، فبدا وكأنّه وحده خبير بالوزراء الاختصاصيين يملك حصرية تسميتهم. لا بل تذهب المعلومات الى حدّ التأكيد أن الحريري واجه رئيس الجمهورية بالقول إنّه لم يبق له الا موقعان وزاريان ليسميهما.
يقول العونيون إنّ السواد الأعظم من اللبنانيين غير مقتنع أنّ الثنائي الشيعي أو وليد جنبلاط سيسمح للحريري بتسمية وزرائهما، حتى لو ادعى العكس تماماً، في حين أنّه في المقابل يمدّ يده إلى حصّة “التيار الوطني…” وإلّا فإنّ البلد مقبل على انفجار اجتماعي!
فرئيس “تيار المستقبل” لن يشيطن علاقته بالثنائي الشيعي تحت عنوان حماية السلم الأهلي واخماد الفتنة السنية الشيعية، كما أنّه لن يغضب حليفه العتيق رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” لئلا يفقد دعامته الدرزية. أما الحصة المسيحية فصارت، وفق العونيين، مكسر عصا.
يشيرون إلى أنّ ثمة ماكينة اعلامية تعمل بحرفية مطلقة لتحميل العهد ومعه “الوطني الحر” مسؤولية عرقلة قيام حكومة جديدة، في وقت بدا فيه سعر صرف الدولار وكأنه دمية مطية بيد فريق سياسي، إذا رضي هذا الفريق عن الوضع، انخفض الدولار كرمى عيونه، وإذا حرد هذا الفريق، قفزت العملة الخضراء الى مستويات قياسية ضمن لعبة تتحكم بها تطبيقات وهمية.
في الواقع، فإنّ حالة المراوحة القاتلة التي تواجهها مشاورات التأليف والتي تعكس مناخاً دولياً سلبياً، قد تدفع البلاد الى مزيد من التدهور الذي سيهدد الاستقرار الاجتماعي والأمني برمته، وهذا سينعكس خراباً على كل القوى السياسية، لكن العهد سيكون بالنتيجة أكثر المتضررين. ولهذا، ربما يتصرف الحريري بكثير من البرودة لكونه يعرف أنّ الفريق العوني هو أكثر المستعجلين لقيام حكومة تضع الاصلاحات موضع التنفيذ. بمعنى أنّه يمسكه من اليد التي تؤلمه.
يدرك العونيون هذا الواقع، وهذا ما يدفعهم إلى مراجعة حساباتهم جيداً، والخيارات المتوفرة أمامهم، طالما أنّ القوى الأخرى تقوم بدورها بمراجعة خياراتها. يقولون إنّ المعطيات توضحت بالنسبة لهم وهم ليسوا مستعدين لتلقي الضربات من دون أي ردة فعل. وخلال اليومين المقبلين، ينتظر أن يُخرج العونيون بعض الماء الموجود في فمهم.
إذ ينتظر أن يقوم رئيس الجمهورية ميشال عون في عيد الاستقلال بمصارحة شاملة لتوضيح الحقائق ويعيد التذكير بما قاله قبيل التكليف، حين تعرّض لهجمة شرسة بسبب تأجيله الاستشارات أسبوعاً واحداً، فيما يضع الحريري التكليف في جيبه وينام على حريره، ليحاول تصويب الأمور في مرحلة أقل ما يقال فيها إنها تاريخية.
أما الحكومة، فقد وضعت في ثلاجة الانتظار! وكل ما يحكى عن خلافات وتجاذبات وشروط وشروط مضادة، هو مجرد تذاكٍ على الرأي العام ولعب في الوقت الضائع لشدّ عصب ناس… “اهترت أعصابها”!