كتبت مرلين وهبة في “الجمهورية”:
في مطلع تشرين الاول، اعلن مستشار الامن القومي الاميركي روبرت اوبراين، أنّ الولايات المتحدة ستخّفض عدد جنودها في افغانستان الى 2500 بحلول اوائل السنة المقبلة، وكان ملفتاً أمس تأكيد البنتاغون هذا القرار. علماً انّ هذا الخفض في عدد الجنود هو الادنى منذ بدء الولايات المتحدة خوض عملياتها القتالية في هذا البلد منذ عقدين. فيما اعلن وزير الدفاع الاميركي بالوكالة كريستوفر ميلر انّ 500 جندي سيغادرون ايضاً العراق، مشيراً الى انّ القرار يعكس رغبة الرئيس الاميركي دونالد ترامب في انهاء حربي العراق وافغانستان بنجاح، وإعادة الجنود الاميركيين الى الوطن. مع التذكير انّ عدد الجنود الاميركيين في افغانستان بلغ الـ 100 الف جندي عند تولّي ترامب منصبه، فيما تضاءل اليوم ليصل الى اقل من 5000 جندي.
في الموازاة، تزايدت المعلومات عن نيّة الولايات المتحدة توجيه ضربة عسكرية «توديعية» لإيران او لمحور المقاومة في المنطقة بقيادة ترامب وبمساعدة اسرائيل. وعلى وقع القرار الاول بالانسحاب والضربة العسكرية المتوقعة في الاحتمال الثاني، تساءلت اوساط سياسية مطلعة عن اي من الاحتمالين الأرحم على لبنان في ظلّ الوضع الراهن؟ أو أيهما الأمَرْ؟ الضربة العسكرية ام الانسحاب الاميركي من الاقليم؟ خصوصاً انّ انعكاس هذا الانسحاب من المنطقة يوازي بحسب قراءة المحللين بأهميته وبتداعياته الضربة العسكرية، بل ربما يضاهيها، وخصوصاً على المدى البعيد.
فما هي تداعيات انسحاب الجيوش الاميركية من افغانستان، العراق وسوريا على المنطقة عموماً وعلى لبنان خصوصاً؟
تقول الاوساط المطلعة انّ انسحاب الولايات المتحدة من الاقليم، اي من افغانستان وغيرها… سيؤدي الى اعادة سيطرة حركة «طالبان» المتشدّدة، خصوصاً انّ المناوشات ما زالت مستمرة هناك حتى اللحظة بينها وبين الولايات المتحدة الاميركية، أي انّ الحدود الافغانية ـ الايرانية في حال انسحاب اميركا ستسيطر عليها «طالبان» التي تضاهي تنظيم «داعش» في تشدّدها.
وفي المقلب الآخر، أي على الحدود الايرانية ـ العراقية، ومع انسحاب الولايات المتحدة من العراق، سيسود الشغب في الداخل العراقي وستعمّ الفوضى. والسؤال المطروح، هل ستتمكن ايران من تطويق حركة «طالبان» على حدودها؟ وكيف ستتعامل مع الداخل العراقي؟ وهل ستتمكن من تثبيت الامن في العراق؟
من جهة اخرى، يدرك المراقبون انّ انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة سيربك الدول الحليفة للولايات المتحدة، تلك التي تحتمي وتتكل عليها، والتي ستشعر بالتهديد وبالفراغ او الإنكشاف الأمني بعد انسحاب الجنود الأميركيين من هناك. فكيف سيحتاط هؤلاء من الفراغ الامني وكيف سيعوّضون عنه؟
الاوساط المطلعة ترجح انّ هؤلاء سيلجأون الى أمرين:
– سيلجأ حلفاء اميركا المتخوفون بعد انسحابها، الى تعزيز علاقاتهم مع اسرائيل لملء هذا الفراغ الامني.
– ستلجأ الدول الغنية والنفطية والخليجية والاماراتية الى شراء الاسلحة من اميركا، وفي الوقت نفسه ستتعمّق العلاقة بينها وبين اسرائيل.
ومن أبرز تداعيات انسحاب اميركا من الاقليم أيضاً، بروز الدور التركي الذي سيتفاعل، بعد ان يخبو الثقل الاميركي إثر الانسحاب من المنطقة، وبعد ان كان يشكّل الثقل الاميركي في المنطقة إحاطةً واحتواءً للوجود التركي في الاقليم، اي انّ الوجود الاميركي كان يطوّق تركيا في العراق وفي سوريا وقبرص واليونان.. واذا ما تمّ فعلاً الانسحاب الاميركي من هناك، فسيترك لتركيا ملعباً واسعاً تتحرّك فيه بحرّية ومن دون قيود او احتواء، وسيتعاظم دورها في الاقليم.
والسؤال: اذا تعاظم دور تركيا، فهل سيكون من البوابة الروسية او باستقلالية كاملة؟
في رأي الاوساط، انّ انسحاب اميركا سيؤدي الى دخول روسيا على الخط، وسيضع بالطبع ضوابط للاعبين الأقوياء اي لتركيا.
ماذا عن لبنان؟
اما في ما خصّ لبنان، فهل سيضع الانسحاب الاميركي حدّاً للفاسدين؟
في رأي الاوساط، انّه سيخفف بالطبع من مفاعيل العقوبات. ولكنها تساءلت في الوقت نفسه عمّا اذا كان هذا الانسحاب سيمكّن من وضع حدّ للفاسدين او سيساهم في اعمار البلاد او انتشالها من ركودها الاقتصادي؟
كذلك تساءلت في السياق، كيف ستكون طبيعة العلاقة وشكلها بين «حزب الله» واسرائيل؟ وفي هذا الاطار، هل يمكن قراءة او ادراج المناورات التي تنفّذها اسرائيل على الحدود او في سوريا ضد «حزب الله» تحضيراً لمعارك ضدّ الحزب؟ وهل تدخل تلك المناورات في اطار الاستعداد للهجوم عليه وضربه؟ ام في إطار الاستعداد لمواجهة ضربات الحزب في حال انسحبت اميركا؟