IMLebanon

تفاهم “الحزب” و”التيار” يهتزّ… ولا يسقط بمرور الزمن

كتبت رلى إبراهيم في جريدة الأخبار:

14 عاماً مرّت على وثيقة التفاهم بين “حزب الله” والتيار “الوطني الحر”، تخلّلتها طروحات ومسارات متفاوتة بين الطرفين، لكن كان ثمة حدود مرسومة مسبقاً للاختلاف، أبقت مشكلات الحزبين ضمن إطار التفاهم والتوافق. تطوير بنود الوثيقة بات أمراً ملحّاً ومطلباً تحدث عنه الأمين العام لحزب الله كما رئيس التيار

«لا يمكن أن نطعن حزب الله أو نتركه بضغط خارجي! إذا أردنا أن نترك فلأسباب داخلية تتعلق بنا وبمصلحة البلد. على كل حال، كنا قد عبّرنا سابقاً أن البلد يحتاج الى إصلاح حقيقي ولا يمكننا أن نكمل هكذا. واتفقنا أخيراً على إجراء مراجعة وإعادة نظر في وثيقة التفاهم كي نطوّرها لنقدم شيئاً لجمهورنا وللناس المتأملين فينا خيراً للبلد». الكلام هنا لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في المؤتمر الذي عقده إثر فرض عقوبات أميركية عليه. لكن، خلافاً لما فسّره البعض على أن هذا النقد يدخل ضمن مساعي استرضاء واشنطن، فإنه سبق لباسيل أن أثار مسألة تطوير وثيقة التفاهم مع الحزب في شباط 2019 خلال لقاء حواري في الذكرى 13 للتفاهم في قاعة كنيسة مار مخايل. يومها طلب رئيس التيار إجراء مراجعة «لنرى أين أخطأنا وأين أصبنا»، ليضيف إنه إذا كانت ثمة رغبة بالإبقاء على التفاهم عميقاً، فيجب أولاً بناء الدولة الذي يتم بجزء منه بمقاومة الفساد (..) وذلك لا يتم عبر الإبقاء على محميات في الدولة وتعزيز الفاسدين في مواقع الدولة».

بالنسبة إلى التيار، ما سبق ليس تفصيلاً، ويشكل أولوية لباسيل منذ مدة، إلا أن أحداث العام الأخير السياسية والاقتصادية فرملت البحث بتفاصيل الاتفاق. لكنه عاد الى الواجهة اليوم لأن يد التيار لا يمكن أن تصفق وحدها لممارسة ضغط سياسي وازن في مواضيع مكافحة الفساد كالتدقيق الجنائي ورفع السرية المصرفية ورفع الحصانات، وهذه العناوين يفترض أن تشكل أولوية في العمل المشترك بين التيار والحزب. فالتدقيق مثلاً مفترض أن يكون «موضع اتفاق ونضال مشترك بيننا وبين الحزب لكشف طريقة صرف الأموال وتحديد المسؤوليات». المشكلة الرئيسية، على ما يشير أحد المسؤولين العونيين، أن الحديث عن مكافحة الفساد بين الطرفين غالباً ما يجنح صوب نقاش عبثي حول الطرف الذي على حق، ومَن يتحمل المسؤولية، عوضاً عن القفز فوق هذا النقاش لمحاولة إيجاد صيغة مشتركة لحل جدّي وفعال. وفي هذه المسألة تحديداً، خلاصة التجربة الباسيلية مع حزب الله تتحدث عن مجموعة خطوط حمر عرقلت الحلول لملفات حيوية في البلد: «ممنوع المس بعائلة الحريري تفادياً لفتنة سنية شيعية، ممنوع المس بوليد جنبلاط لحفظ أمن الجبل، ممنوع المس بنبيه بري حفاظاً على وحدة الصف الشيعي». فمع الحزب كانت الأمور تتدرج دائماً من وحدة طائفية شيعية الى وحدة طائفية إسلامية، الى وحدة وطنية، حتى بات ممنوع المس بموظفة في هيئة إدارة السير تدعى هدى سلوم، وممنوع الاقتراب ممن يخصون رئيس تيار المردة سليمان فرنجية المتورطين في ملف النفط المغشوش.

يفصل التيار الوطني الحر بين مساندة حزب الله الكبيرة لرئيس الجمهورية وباسيل في المعارك السياسية بخلاف المعارك الإصلاحية. هذا الكلام كان يتداوله الجمهور العوني حتى قبيل بدء باسيل بالحديث عنه، بمعنى أن الجمهور سبق باسيل لا العكس. ثمة عتب اليوم يتعلق بديناميكية العمل والتواصل والتعاون، أكان ذلك في اقتراحات القوانين في مجلس النواب أم في مقاربة إصلاحات القضاء أم في الدفع لتحقيق خرق نقدي واقتصادي. من جهة أخرى، واقعية باسيل، بحسب المصادر، تسلّم بتدخلات من داخل البيت العوني أيضاً لإيقاف عجلة الإصلاحات ربطاً بمصالح شخصية، وأهمها ما حصل في ملف الاتصالات الذي أثاره النائب حسن فضل الله وحالت دون وصول الملف الى خواتيمه. بناءً عليه، يبقى الحل الأنسب «بعقد حلقة حوار ونقاش على عجل لوضع هذه البنود على الطاولة في الوقت الأكثر إلحاحاً للتعاون ما بيننا». ويثمّن التيار في هذا السياق، تحرك الحزب السريع لملاقاة دعوة باسيل وسحب «التخوينات» المتبادلة من على مواقع التواصل لإعادة إطار العلاقة الى طبيعتها والبحث في بنود الورقة التي نفذت أو لم تنفذ والتي مضى عليها الزمن. أما بند بناء الدولة، فهو كما مكافحة الفساد، ضرورة. وهذا يعني تطوير بنية النظام انطلاقاً من الدستور وتطبيق الإصلاحات الإدارية والمالية اللازمة ضمن ما نص عليه التفاهم، بدءاً باللامركزية الإدارية الموسعة، مروراً بمجلس الشيوخ ووصولاً الى إلغاء الطائفية.

التنسيق «مش ماشي»

14 عاماً مرت على وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، تخلّلتها اختلافات ورؤى متباعدة، لكن بقيت كلها ضمن إطار التفاهم على صيغة وطنية واحدة حمت سلاح المقاومة من جهة، وضمنت ما سماها العونيون «استفاقة الميثاقية باستعادة الحقوق المسيحية وموقع رئاسة الجمهورية». غير أن ما تحقق وفق الطرفين غير كاف، ولا أحد ينكر أن التنسيق اليوم «مش ماشي» وبحاجة إلى المراجعة «لنمشّي الحال». وفيما بات للتيار تصوّر، ولو أوّلي، عن النقاط التي تحتاج الى تطوير ومراجعة في تفاهمه مع الحزب، لا يزال حزب الله بحاجة إلى ترتيب أفكاره ومراجعة بنود الوثيقة تفصيلياً لبناء نظرته حول هذه المواضيع. فور الانتهاء من إعداد قراءة للمستجدات الحاصلة في السنوات الماضية وآفاق المرحلة المقبلة والعلاقة بين الحزبين، سيحصل اجتماع مع باسيل يحدَّد على ضوئه ملحق تنفيذي. لكن الأمر يمر وفق نظام عمل الحزب عبر مؤسسات معينة لدراسة التفاهم ووضع تعديلات ومقترحات حوله قبيل مناقشته مع التيار. فالحزب هو الآخر يشعر بثقل المسؤولية ويرى أن المشكلة ليست بمرور الزمن ولكن بالآليات التي منعت تنفيذ بعض البنود وبالاختلاف حول بعض المفاهيم. إذ غالباً ما يكرر الحزب أنه غير مستعد لنشوب حرب أهلية جديدة تحت عنوان مكافحة الفساد. وينزعج في الوقت عينه من بعض العبارات التي ترد على لسان قياديين في التيار حول «موت» التفاهم، ولجوء البعض إلى كيل الاتهامات العشوائية ربما سعياً وراء رضى ما في مكان ما. من جهة أخرى، يجد حزب الله ضرورة في تطوير التفاهم وتعميقه وهو ما جاء على لسان الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله عقب مؤتمر باسيل، ولم يبق اليوم سوى تجهيز الأرضية الملائمة للقاء مار مخايل 2 يعيد ترتيب بيت الحزبين الداخلي.