Site icon IMLebanon

ما الخيارات المُتاحة بعد 9 أشهر على الإفلاس؟

كتب أنطوان فرح في “الجمهورية”:

بعد حوالى 9 أشهر على اعلان حكومة تصريف الاعمال التوقّف عن دفع «ليوروبوند»، أين أصبح الوضع المالي؟ ما هي فرص إنقاذ الودائع؟ ما هو الثمن الذي لا بدّ منه للخروج من النفق، وكم قد تستغرق عملية الخروج؟

مع إقتراب العام 2020 من نهايته، سوف تبدأ الارقام في الظهور تباعاً، والتي على أساسها يمكن إطلاق تقديرات في شأن الوضع المالي، وفرص الإنقاذ المُتاحة انطلاقاً من الحقائق الجديدة.

رغم أنّ الأجهزة الرسمية عاجزة عن اعطاء أرقام دقيقة للقطاعات وفي مجالات كثيرة، إلّا أنّ بعض المعطيات التي فرضت نفسها حتى الآن، تؤكّد أنّ الاقتصاد يعاني نكسة تُعتبر خطيرة في ميزان الدول التي تواجه أزمات تعثّر وإفلاس. ويمكن هنا إيراد مؤشرين خطيرين يمكن البناء عليهما لتقدير خطورة الوضع.

المؤشر الاول، يتعلق بحجم الاقتصاد (GDP) الذي تراجع بنسبة قاربت الـ70% في غضون بضعة أشهر. وانخفض من حوالى 52 مليار دولار، الى حوالى 18 مليار دولار. هذه النسبة تُعتبر قاسية جداً. وعلى سبيل المثال، ومن خلال المقارنة مع اليونان والارجنتين، يتبين انّ الاولى لم تشهد في أزمة الافلاس، هذه النسبة من الانخفاض في حجم اقتصادها. وسجّل الاقتصاد اليوناني التراجع الأكبر بين 2014 و2015، حيث انخفض من 237 مليار دولار الى 196 ملياراً، أي ما نسبته حوالى 18%. في المقابل، سجّل الاقتصاد الارجنتيني أسرع انخفاض له في العام 2001، حيث تراجع بنسبة تقارب الـ70%، (من 268 مليار دولار الى 98 ملياراً) وهي شبيهة بالنسبة التي سجّلها الاقتصاد اللبناني.

وهنا تنبغي الاشارة، الى أنّ الاقتصاد الارجنتيني استعاد زخمه من حيث الحجم بسرعة اكبر من الاقتصاد اليوناني. وفي تفسير هذه الظاهرة، إنّ الارجنتين عمدت الى تجميد سحب الودائع من المصارف في قرار أُطلق عليه مصطلح «كوراليتو» Corralito . وكان ذلك بمثابة تمهيد لتعويم سعر صرف البيزو. وخسر المودعون من خلال هذه العملية نسبة مرتفعة من ودائعهم.

في مقارنة النموذجين اليوناني والارجنتيني، يتبين انّ المودعين دفعوا الثمن في الارجنتين على عكس اليونان. لكن هذا الوضع ساهم لاحقاً في مساعدة الاقتصاد الارجنتيني في النمو بسرعة اكبر. في حين انّ اليونان حافظت على الودائع، مع «هيركات» بسيط واختياري على طريقة الـBail-in. وبطبيعة الحال، لم تلجأ أثينا الى تعويم عملتها، لأنّها تستخدم اليورو المحمي من البنك المركزي الاوروبي. وهذا ما يفسّر لماذا استغرقت اليونان وقتاً أطول لإعادة تكبير حجم اقتصادها، على عكس الارجنتين، التي نما اقتصادها بسرعة. لكن الفرق ايضاً، انّ اليونان نجحت في فترة زمنية قصيرة نسبياً في العودة الى الاسواق العالمية للاقتراض، في حين انّ الارجنتين، ورغم نمو اقتصادها النسبي، ظلت تعاني من عزلة على مستوى الاسواق، وظلت تعاني من هبوط وصعود، بحيث يمكن القول، انّ أزمتها المالية امتدت لثلاثين أو اربعين سنة، ولا تزال.

خلاصة القول، في هذا الموضوع بالنسبة الى لبنان، انّ هبوط حجم الاقتصاد بهذه النسبة الكبيرة يجعل الامل في الإقلاع مجدداً، من دون «هيركات» أشد تعقيداً. وسيكون الخيار، اذا وصلنا الى مرحلة بدء تنفيذ خطةٍ للانقاذ بالتعاون مع صندوق النقد، بين الانتظار لسنوات طويلة، قبل استعادة حجم الاقتصاد الحالي، أو التضحية بقسم من الودائع لإعادة حجم الاقتصاد الى ما هو عليه في غضون 3 أو 4 سنوات.