يتمحور المشهد السياسي الحالي حول ملفات التدقيق الجنائي وتشكيل الحكومة، ومؤخرا على البحث بقانون الانتخاب الذي دعا اليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والذي يواجه بمعارضة الكتلتين المسيحيتين: التيار الوطني والقوات اللبنانية.
القبس سألت النائب جورج عقيص عن موقف حزب «القوات اللبنانية» من هذه المواضيع التي تتفق في بعضها مع خصمها التاريخي مسيحيا «التيار الوطني الحر»، وتتعارض معه في بعضها الآخر.
في موضوع التدقيق الجنائي يعتبر عقيص ان انسحاب شركة الفاريس ومارسال لا يعني طي صفحته. ولكن الاصرار على اجراء التدقيق وانجازه مرهون بنجاح الضغوط السياسية التي ستمارسها الاحزاب والقوى السياسية المؤمنة بضرورة اجراء التدقيق في مصرف لبنان، وهذه القضية ستكشف نيات الجميع، لأن هناك من يمارس التعمية، وهناك من يصرح بشيء ويضمر شيئاً آخر، فيما المطلوب اليوم اتخاذ مواقف واضحة وحاسمة.
ومعروف ان المجتمع الدولي يربط إتمام هذا المسار بالحصول على المساعدات الدوليّة، سواء من صندوق النقد أو من خلال برنامج «مؤتمر سيدر». هذا في الشق التقني، اما في الشق السياسي، فاللبنانيون يريدون معرفة مصير الاموال المنهوبة والالتزامات التي نفذت، وكيف كانت تدار مالية الدولة،
ومن اثرى على حساب المواطن وبدد ودائعه نتيجة سياسة مالية خاطئة وفساد استشرى على مر عقود. ولأن التدقيق الجنائي خطوة لا بد منها أقدمت «القوات» على ازالة الذرائع القانونية من امامه عبر تقديم اقتراح قانون معجل مكرر يقضي بتعليق العمل بأحكام «السرية المصرفية» بما يُمكن معه إجراء التدقيق الجنائي، قبل ان تبادر شركة «الفاريس» للانسحاب من مهمتها.
ويلفت عقيص الى ان الشركة لم تكن مؤهلة اصلا لاجراء التدقيق ويأمل باعادة التفاوض مع شركة كرول التي استبعدت «لاسباب لا تنطلي على احد».
ولدى سؤاله عن القوى المعارضة لاجراء التدقيق، قال عقيص «لحد الان فعليا القوات اللبنانية وحدها اقرنت القول بالفعل لتسهيل التدقيق فيما غيرها يطالب بالتدقيق من دون اي اجراء فعلي».
وفي الشق الحكومي الذي يبدو مؤجلا ومرحلا الى حين استلام الادارة الاميركية الجديدة، أشار عقيص الى ان «القوات» مطمئنة لثبات الحريري على موقفه وعدم الرضوخ للضغوط التي يمارسها عليه فريق رئيس الجمهورية، «ونتمنى ان يبقى على هذا الموقف كي لا يستمر منطق الابتزاز والتعطيل منهجا للحصول على أمور ليست من حقنا».
اما القول ان التأليف معطل لأن الحريري يريد اختيار الوزراء المسيحيين فهو مرفوض، وليس مقبولا ان يرفع فريق ما هذه المسألة لاستثارة عصبية مسيحية، خصوصا ان معيار تشكيل الحكومة في وضعنا الراهن ليس طائفيا وانما يجب ان يكون مبنيا على الكفاءة والجدارة والاستقلالية. ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف هما من يختار الوزراء وفق الدستور. وعن دور العوامل الخارجية في اعاقة تشكيل الحكومة، يعتبر عقيص أن القول بترحيل التأليف الى ما بعد استلام الرئيس جو بايدن أمر مثير للسخرية وللمرارة في آن. ويسأل «لماذا نرهن انقاذ بلدنا بمعطى خارجي لسنا اكيدين انه سيكون مؤثرا في عملية التشكيل. هل سيتدخل بايدن لحسم هذه الوزارة او تلك؟».
قانون الانتخاب
وفي موضوع البحث بقانون الانتخاب، رأى عقيص أن الطرح ليس بمحله، وفي ظل التشنّج السياسي الحاصل اليوم تأتي هذه الخطوة لتصب الزيت على النار، وتوقظ الخلافات أكثر فأكثر.
ويوضح أن من اهم مبادئ التشريع هو الاستقرار، خاصة في القضايا الوطنية التي يستلزم التوافق عليها وقتا طويلا، مذكرا بأن القانون الحالي استغرق مسارا شاقا وطويلا لإقراره، واعتبرته كل القوى آنذاك إنجازاً وطنيا لناحية تحسين صحة التمثيل. الانقلاب عليه سريعا يثير الريبة، خاصة بالتوقيت الحالي غير الملائم أبداً للقيام بأي مشروع، إلا للإنقاذ الاقتصادي، وفق عقيص.
ويضيف عقيص ان «القوات» تعارض مضمون القانون المطروح للبحث؛ لأنه يسقط أهم ميزة أتى بها القانون الحالي، وهي صحة التمثيل المسيحي، ولأنه يأتي في لحظة تأزم اقتصادي ومعيشي يجب ان تكون معالجتها هي الاولوية، وليس أي أمر آخر.
ولهذه الاسباب القوات ضد طرحه وتعوّل معارضة التيار الوطني ايضا له؛ لأنها معركة تستدعي تجاوز الخلافات بيننا وبين التيار لنزع هذا الاقتراح من التداول. وسط متاهة الازمات هذه، يرى عقيص ان الامور تتجه نحو الاسوأ على كل الصعد، لا سيما معيشيا. ونفاد احتياطي مصرف لبنان سيلقي بتبعاته على سعر الليرة، وعلى القدرة الشرائية للبنانيين، وسيعمّق حالة العوز والفقر، وهذا منطقيا يخلق توترات ومشاكل امنية، وهذا ما نخشى حدوثه. اما المدخل لتجاوز كل ذلك فهو في تشكيل حكومة من اختصاصيين مستقلين