Site icon IMLebanon

“أوجيرو” بلا سيولة… لكن لا خوف على الخـدمة؟

كتب إيلي الفرزلي في جريدة الأخبار:

مرّ عام على الأزمة المالية، وخلالها سعت غالبية القطاعات إلى الصمود بالحدّ الأدنى. قطاع الاتصالات من أكثر القطاعات حاجة إلى الدولار. ولذلك، فإن أوجيرو رفعت الصوت محذّرة من احتمال توقف خدماتها. مشكلتها متشعّبة، وهي تتعلق أيضاً بمخالفات أعاقت حصولها على أموالها من وزارة الاتصالات. مشكلتها الحالية أنها لم تحصل على موازنة 2020، لكن مشكلتها الأكبر تتعلق بموازنة 2021، التي يُفترض أن تتضخم بشكل كبير نتيجة ارتفاع سعر الدولار، من دون أن يكون هنالك أي فرصة لإقرارها بلا موازنة عامة

قطاعات مثل الكهرباء والاتصالات والمياه والنفايات والإنشاءات، وغيرها الكثير، كلها تتنفّس بالدولار. غالبية المعدّات وقطع الغيار تُستورد من الخارج بالعملة الأميركية. والمتعهّدون اعتادوا قبض أموالهم بالليرة عندما كان سعرها ثابتاً. لكن كل شيء تغيّر اليوم. أولئك الذين لطالما أثروا على حساب المال العام، عبر عقود منفوخة وسمسرات وتنفيعات ورشى، برم الدولاب معهم. الخسائر المحقّقة من فرق الدولار تفوق بأضعاف أرباحهم. ولهذا، لولا الكفالات والتوقيفات العشرية (عُشر قيمة العقد تحجز كضمان لتنفيذ دفتر الشروط)، لكانوا فسخوا عقودهم منذ زمن. كل حالة بحالة تتم معالجتها. مصرف لبنان يساهم في تأمين جزء من الأموال المستحقة بالدولار، لكنّ أحداً لا يعلم إن كان ذلك سيدوم.

بعد كهرباء لبنان، رفعت «أوجيرو» الصوت. مديرها العام عماد كريدية ذهب بعيداً في التهويل. حذّر من احتمال أن تتوقف خدمات الاتصالات والإنترنت مع بداية العام، إذا لم يتم دفع مستحقات الهيئة على الدولة لعام 2020. مصادر مطلعة في الهيئة تؤكد أن الأزمة موجودة وأن «أوجيرو» تجد صعوبة في الحفاظ على مستوى الخدمات نفسه، لكنها مع ذلك تشير إلى أن الوضع ليس بهذا السوء، جازمة أن انقطاع الخدمة بشكل تام شبه مستحيل. إذ لا مبرر لأن تسقط شبكة الإنترنت على سبيل المثال، ولا مبرر للتوقف التام لخدمات الصيانة. فرغم الحاجة إلى معدّات وكوابل لتأمين استمرارية الخدمة، إلا أن جزءاً أساسياً من الصيانة يحتاج إلى قدرات بشرية فقط. هذا لا يعني، بحسب المصادر، أن استمرار شحّ الأموال لن يؤثر على بعض الخدمات وبعض المناطق، إذا ما تعرّضت لحوادث ولم تتمكن أوجيرو من تلبيتها لعدم توفّر المعدات، إلا أن ذلك سيبقى محدوداً، ولن يطاول كامل الشبكة. ولأن الأزمة قد تطول، تؤكد مصادر مطّلعة أن الأولوية حالياً هي لتغيير الرؤية ومنهجية العمل. المطلوب التركيز على القدرات الذاتية للهيئة، والتركيز أكثر على الصيانة بما يتوفر. علماً أن ذلك بدأ عملياً من خلال ترتيب الأولويات في الصيانة وفي الاستثمار، بحيث تلبّي الضروري وتؤجل ما يمكن تأجيله.

تحرير أموال 2017

حتى لو حُلّت كل المشاكل المالية للهيئة وحصلت على الأموال المستحقة لها، فإنها لن تكفيها لتعود إلى العمل بالشكل التقليدي، فشحّ الأموال صار أمراً واقعاً لا أحد يعرف متى ينتهي. مشكلة أوجيرو مزدوجة. هي مشكلة دولارات غير متوفّرة بالدرجة الأولى، ساهمت في تلكؤ الكثير من المتعهدين في القيام بأعمالهم، كما ساهمت في عرقلة أعمال الصيانة والتركيب التي تنفذها الهيئة. لكنها، في الأساس، مشكلة مخالفات قانونية وفساد جعلت الهيئات الرقابية تمتنع أو تتأخر في الموافقة على العقود الموقّعة مع الوزارة، خاصة أن أغلبها قُدّم بعد انقضاء العام وصُرفت الأموال من دون سند قانوني. عقد عام 2017 لا يزال عالقاً، بعد أن رفضت هيئة الاستشارات والتشريع الموافقة على عقد المصالحة بشأنه، والذي قُدم في الفصل الثالث من عام 2018، متضمناً، بحسب هيئة الاستشارات، الكثير من المخالفات التي قررت، بنتيجتها، «إحالة الملف إلى النيابة العامة المالية وإلى هيئة التفتيش المركزي لإجراء المقتضى الذي تراه كل منهما ضرورياً في ضوء ما تضمّنته هذه الاستشارة». كذلك، فإن عقد عام 2019، الذي قُدّم إلى الديوان في تشرين الأول 2019 للحصول على موافقته المسبقة، تضمّن الكثير من الشوائب القانونية، وكانت النتيجة أن وافقت عليه الغرفة المعنية، بالرغم من انتهاء السنة، فيما طلب رئيس الديوان محمد بدران والمدعي العام لدى الديوان فوزي خميس إعادة النظر في القرار، لما يحتويه من مخالفات، أبرزها عدم جواز الموافقة المسبقة بمفعول رجعي، على عقد نُفّذ بكامله. لكن رغم فتح النيابة العامة لدى الديوان تحقيقاً في الأمر، ثم ادعائها، بنتيجته، على عماد كريدية وعلى عضوَي مجلس الإدارة غسان ضاهر وهادي أبو فرحات أمام ديوان المحاسبة وأمام النيابة العامة التمييزية بمخالفات إدارية وجزائية، فإن ضغوطاً سياسية تولّتها لجنة الاتصالات النيابية، أسفرت عن دفع الأموال لهيئة أوجيرو بموجب عقد 2019، وقبل انتهاء التحقيقات. حينها كانت أداة الضغط هي التحذير من توقّف الصيانة في الهيئة. وهو الأمر نفسه الذي يتكرّر اليوم. تُطالب هيئة أوجيرو بتحرير الأموال المخصّصة لها في عقد 2020 لتتمكن من الدفع إلى المورّدين، تحت طائلة احتمال التوقف عن العمل. وتحت عنوان «اللهم إني بلّغت» توجّه كريدية إلى المعنيين، عبر «أم تي في»، مشيراً إلى أنه إذا لم تتأمّن الاعتمادات فإنه مضطر للتوقف عن العمل. وأكثر من ذلك أعلن أنه «ما عندي استعداد أقف أمام القضاء لأننا نقوم بعملنا بخدمة الناس»، بما يوحي بأن المخالفات المرتكبة كانت نتيجة السعي إلى استمرارية المرفق العام (وهو ما يتناقض مع قرار هيئة الاستشارات، التي سجلت ملاحظات عديدة على تخطي الصرف في عام 2017، لموجب استمرارية المرفق العام).

موازنة 2020 عالقة

بحسب ديوان المحاسبة، فإن لا مشكلة بشأن عقد 2020 الذي تمت الموافقة عليه. كذلك ترفع وزارة المالية المسؤولية عن نفسها، مشيرة إلى أن اجتماعاً عُقد مع وزارة الاتصالات وإدارة الهيئة أسفر عن الاتفاق على آلية للدفع. وهي تؤكد أنه بناءً على الاجتماع، أنجزت الشق المتعلق بها، من دون أن يتضح حتى اليوم ما يعيق دفع مستحقات أوجيرو. لكن ذلك يناقضه كريدية الذي يشير لـ«الأخبار» إلى أن الاتفاق تم في تشرين الأول، إلا أنه بعد مرور شهر لم تدفع «المالية». وبالنتيجة، قبل شهر من نهاية العام، حصلت الهيئة على 10 مليارات ليرة فقط من أصل 48ملياراً، علماً أن إدارتها سبق أن طالبت بزيادة موازنتها إلى 64 ملياراً لأنها غير كافية.

صرخة إدارة أوجيرو تعود لأمرين، عدم قبضها مستحقات عام 2020، وقيمتها 48 مليار ليرة بحسب موازنة 2020، و«مستحقات» عام 2017، التي لم تحدد قيمتها بعد بسبب التباين في الأرقام المقدّمة من أوجيرو ومن وزارة الاتصالات، لكنها تفوق في الحالتين الـ100 مليار ليرة، وهي مجمّدة بفعل المخالفات التي كشفتها هيئة الاستشارات، وبانتظار انتهاء التحقيقات.

بالرغم من ذلك، عُقد اجتماع الخميس الماضي في ديوان المحاسبة جمع وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو، وتقرر خلاله أن يصار إلى تحريك أموال عام 2017، من خلال فصل العقود والأعمال التي لا إشكال بشأنها عن تلك المشكوك في قانونيتها. بحيث تُدفع قيمة الأولى ويتم ترك الثانية إلى حين صدور الحكم. وفيما يعتبر الحل أن العقود الدورية المتعلقة بالصيانة وبتسيير المرفق العام، يجب فصلها عن العقود التي وُقعت خلافاً لهذه الصيغة (السفر، الرعايات، الإعلانات، العقود الاستشارية…) فإن هذا المخرج يتغاضى عن ملاحظات كانت طرحتها هيئة الاستشارات على مجمل العقد، مثل قيمته، وتوقيع العقود بالتراضي… كما يتغاضى عن إشارتها إلى أن أوجيرو قامت بمخالفة أخرى حينها، حيث أنفقت الأموال النقدية المتوفرة لديها لتنفيذ الأشغال خارج أية أحكام تعاقدية ترعى هذا الإنفاق. وهو ما «يطرح تساؤلاً حول تحديد ماهية مصادر التمويل التي لجأت إليها ومدى قانونية اللجوء الى هذه المصادر، وخاصةً أن وزارة الاتصالات لم تؤمن هكذا موارد حسبما ينص عليه النظام المالي لهيئة أوجيرو».

بالنتيجة، تقرر أن تحضّر وزارة الاتصالات لائحة بالعقود التي يمكن دفعها، على أن تُعرض على ديوان المحاسبة قبل السير بها.

لا حلول لموازنة 2021

إذا حُلّت مشكلة عامَي 2017 و2020، فإن مشكلة أكبر تنتظر موازنة الهيئة لعام 2021. في الموازنة السابقة، كانت «أوجيرو» طلبت 64 مليار ليرة للتشغيل والصيانة، إلا أن مجلس النواب ارتأى تخفيضها إلى 48.3 مليار ليرة. تلك الموازنة التي اعتبرتها الهيئة كافية، أضيف إليها عبء انهيار سعر الصرف. وفيما رفض أغلب الموردين الحصول على أموالهم بحسب سعر الصرف الرسمي، ساهم مصرف لبنان في تذليل بعض هذه العقبات، من خلال الموافقة على فتح اعتمادات بالدولار لمورّدين على سعر 1500 ليرة للدولار. ذلك، ساهم في تقليص العبء الناتج عن ارتفاع سعر الدولار، إلا أن عدم وجود ضمانة تؤمّن استمرارية هذه الآلية، أي إمكانية توقّف المصرف عن تزويد أوجيرو بالدولارات في أي لحظة، جعل الأخيرة تعمد إلى وضع موازنة شبيهة بموازنة العام الذي سبق نظرياً، لكنها ربطتها بسعر الدولار. وعلى سبيل المثال، فقد حددت الهيئة موازنتها التشغيلية بـ64 مليار ليرة، ثم قسمتها على 1500، لتقدّرها بـ43 مليون دولار. عندما وضعت الموازنة في تموز كان الدولار يُراوح بين 4500 و5000 ليرة، ولذلك فإن الهيئة طلبت نحو 200 مليار ليرة للتشغيل.

لكن على سعر 8000 ليرة للدولار، فإن هذه الموازنة قد ترتفع إلى 344 مليار ليرة. وهو مبلغ ضخم سيكون من شبه المستحيل تأمينه (يضاف إليه قيمة العقد مع مديرية الإنشاء والتجهيز و100 مليار ليرة محددة في قانون البرنامج الخاص بشبكة الألياف الضوئية). والمشكلة لا تتوقف عند هذا الحد، ففي غياب الموازنة العامة، ستكون الهيئة، بحسب القاعدة الاثني عشرية، مضطرة للاكتفاء بــ 48 مليار ليرة بالحد الأقصى. وهو ما يفاقم أزمتها… وحتى لو تمكّنت من الاستمرار في الحصول على الأموال من مصرف لبنان، فإن المبلغ الإجمالي لن يكون كافياً، خاصة أن المتعهدين رفعوا الأسعار حتى بالنسبة إلى اليد العاملة بما يعادل 30 في المئة. هنا، تقع الهيئة أمام احتمالين أحلاهما مرّ: إما أن تطلب من المتعهدين التسعير بالليرة، وبالتالي سيسعّرون حسب سعر السوق، بما يؤدي إلى ارتفاع كبير في المطلوبات بالليرة، وإما الاستمرار في التسعير بالدولار، على أن يتم الاعتماد على مصرف لبنان لتأمين جزء من هذه الأموال بالدولار، مع إمكانية توقف هذه الآلية في أي لحظة. لكن في الحالتين يبدو أن الهيئة ستكون بحاجة إلى المزيد من الأموال، وهي لذلك ستعمد إلى طلب سلف خزينة أو إلى طلب اعتمادات إضافية من احتياطي الموازنة.