كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
لم يتأخّر الحاج محيي الدين عيساوي يوماً عن ممارسة هوايته في السباحة كلّ يوم، صيفاً وشتاء على حدّ سواء، في الأيام العادية والحجر المنزلي، وضمن التعبئة العامة الأمر سيان، إذ يعتبرها متنفّساً له في الحياة، والأهمّ من ذلك رياضة تقوّي الجسد والمناعة، تطرد الأوجاع وتكافح الأمراض أفضل من الدواء”.
عند المسبح الشعبي في صيدا، يلتقي عيساوي البالغ من العمر 76 عاماً مجموعة من رفاقه لممارسة هواية السباحة، يقول: “لا يمكن الإستغناء عنها مهما كانت الظروف، حتّى في التعبئة العامة لم نتوقّف”، مضيفاً: “نلتقي التاسعة صباحاً حتى الواحدة ظهراً، نتبادل الأحاديث والهموم والشجون على ضوء تفشّي وباء “كورونا” والأزمة المعيشية والإقتصادية، ونمارس السباحة لأنّ فيها فائدة كبيرة لا تُعدّ ولا تُحصى”.
وكثيراً ما تباهى عيساوي باللياقة البدنية، ويقول: “منذ ربع قرن وأنا امارس هذه الهواية يومياً في كلّ فصول العام بلا اسثتناء، لقد اكتسبت مناعة قوية تكافح الأمراض، وهي أحسن من أي دواء، والأهمّ انّها تقتل الملل في الوقت بعدما كنت أعمل في النجارة وسلمت ادارة المعرض الى ابني، وهي متنفّس مفيد في ايام التعبئة العامة بعيداً من الإزدحام والخوف من التقاط العدوى”.
وتختلف تفاصيل يوميات الصيداويين مع التعبئة العامة، فمع إغلاق المؤسسات والمحال التجارية والصناعية والأهم المقاهي، ولا سيّما الشعبية التي تشكّل ملاذاً للعاطلين عن العمل من جيل الشباب وكبار السنّ، وجد كثيرون منهم أنفسهم في فراغ ممِلّ، البعض التزم المنزل في سبيل الوقاية ومشاهدة التلفاز، أو التسلية بمواقع التواصل الإجتماعي ومجموعات “الواتساب” ومواكبة الأخبار، والبعض الآخر حاول إشغال نفسه بهواية كالمشي أو التجوال بالسيارة بين الحين والآخر، أو التسوّق في السوبرماركت في محاولة لتمرير الوقت.
على امتداد الكورنيش البحري، يصطفّ العشرات من هواة الصيد على الرصيف وبعض الصخور المتناثرة، يلقي ابو أحمد صنّارته بقوة وينتظر أن تتحرّك لتبشره باصطياد سمكة، يكرّر الامر ليمرّ الوقت، يقول: “لقد اعتدت الصيد بالصنّارة في أيام العطل الاسبوعية والرسمية، ولكنّ اليوم مع إقفال المحل الذي أعمل فيه بات لديّ متّسع من الوقت، فقصدت البحر للإصطياد، منه املأ الفراغ أفضل من الحبس في المنزل، ومنه أكسب قوت اليوم، فأحياناً يكون السمك طبخة اليوم، وأحياناً أخرى أبيعه الى معارفي والجيران باعتباره طازجاً وأرخص من “الميرة”، لتأمين بعض المال بانتظار عودة دورة الحياة وبدء العمل بعد إنتهاء الإقفال”.
وفي يوميات الصيداويين بين الوباء والإقفال والازمة المعيشية، يبدو الناس هائمين على وجوههم، يعيشون مرحلة انتظار قاتل، تيشعرون باليأس والإحباط، اذ لا تلوح في الأفق حلول قريبة، بل تزداد الأوضاع سوءاً، حيث تتلاحق الأزمات من الغلاء وارتفاع الأسعار والدولار. اللافت أنّ بعض العائلات، وليس الشباب فقط، بدأت تفكّر جدّياً بالهجرة بعدما فقدت الثقة بالدولة ومسؤوليها، وتنتظر أقرب فرصة لتحقيق ما بات يعرف بحلمها المستقبلي، والهدف المنشود منها حياة حرّة كريمة بعيداً من ذلّ السؤال والأمراض بعدما فقدته في وطنها الأمّ لبنان.