فيما تغرق الطبقة السياسية في ثُبات اللامبالاة اتجاه الانحدار اليومي في الوضع الاقتصادي والاجتماعي، تعمد بعض الجهات إلى تسريب معلومات تغمز من قناة سياسة حاكمية مصرف لبنان، للتعمية على تقصير الدولة اتجاه شعبها في ملاقاته عند مخارج الحلول السريعة لإنقاذه من الموت السريري الذي يصيبه… وليس أهم تلك الحلول على الإطلاق سوى دعم المواد الأساسية التي يستهلكها في يومياته، بدل التعويل على الاحتياطي الأجنبي في مصرف لبنان المستنزَف بشكل دراماتيكي جراء مواصلة الدعم لقطاعات النفط والدواء والقمح إضافة إلى مواد استهلاكية عديدة.
فبعد معلومات المصدر الرسمي لوكالة “رويترز” والتي زعمت أن البنك المركزي يدرس خفض مستوى احتياطي النقد الأجنبي الإلزامي من أجل مواصلة دعم واردات أساسية العام المقبل، نفى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هذا الكلام، مؤكدًا أن “لا أساس له من الصحة”.
ووصلت تردّدات هذه المعلومات إلى الوسط المصرفي حيث أكد مصدر فيه لـ”المركزية” أن “حاكم مصرف لبنان يتمتّع بما يكفي من الوعي لتجنّب المَسّ بالاحتياطي الإلزامي… وهو لم يرتكب يومًا خطأ قانونيًا في سياسته النقدية طوال سنوات تبوّئه سدّة الحاكمية، ولن يُقدم اليوم على أي خطوة تواجه إشكالية قانونية”.
وقال: “إذا اعتبر البعض أن سياسة “المركزي” في دعم الليرة اللبنانية طوال سنوات خلت، هي التي أوصلتنا إلى هذا الدَرك، فليتم وقف الدعم إذاً عن كل شيء… فما يحصل حالياً أن مصرف لبنان يقدّم الدعم أكثر من السابق في ظل التهريب “المؤذي والموجِع” الحاصل في المحروقات والدواء والسلع الغذائية وغيرها…
في حين اعتبر أحد المصرفيين عبر “المركزية”، أن “الدعم القائم لم يؤتِ بالنتيجة المطلوبة ولم يستفد المواطن من الدعم سوى في مادة البنزين، وما تبقى يتم تهريبه”، وقال: “لا يجوز الاستمرار في هذه الطريقة العشوائية من الدعم التي تكلّف مصرف لبنان 600 مليون دولار شهرياً… فالحل الأنسب يبقى في تخفيف حجم الكلفة إلى 200 مليون شهرياً عبر حصره بالمواد الاستهلاكية الأساسية والضرورية للغاية”.
وإذ أكد أن “سلامة يتمتع بذكاء ودراية لافتِين يمكّناه من إيجاد الحل الناجع لهذه الأزمة، فهو لم ولن يتسبّب بتجويع الناس”، دعا اللبنانيين إلى “التيقّن والتعلّم من درس كلفة هذا الدعم، بأن الدولة هي التي تًنفق ودائعهم… إذ بدل أن تجد مصدراً آخر لدعم تلك المواد الأساسية، تترك البنك المركزي يعالج الأمر بمفرده ومن الاحتياطي بالعملات”،
وتوجّه بالقول إلى “الدولة ووسائل التواصل الاجتماعي التي ألقت اللوم على المصارف بأنها هي مَن أخفى ودائع الناس”: ها هي تلك الودائع تسحبها الدولة لتخدير اللبنانيين بالدعم. فما الفارق بين الاحتياطي الإلزامي والاحتياطي بالعملات؟! النتيجة واحدة. وليست سوى جرس إنذار للناس بأن الدولة لا تستطيع الوقوف على رِجليها لإنقاذ الوضع، حتى أن رواتب القطاع العام يؤمّنها مصرف لبنان… وهذا دليل إضافي إلى أن الدولة عاجزة عن تلبية مطالب شعبها… فليتّعظ الجميع من هذا الدرس بدل إلقاء الملامة على حاكم البنك المركزي والمصارف.
وختم المصرفي بالقول “عندما يَفقد الحكم سلطته في ظل الفساد المستشري، يصبح محكوماً من الشعبوية”.