بين الأفواه الجائعة و«الأرانب» السياسية، يَمْضي لبنان إلى الانهيارِ المدمّرِ على وقع استعادةِ «ألاعيبَ» قديمة – جديدة في إطار تَقاذُف كرةِ المسؤوليةِ عن إخفاقاتٍ في إدارة ملفات حيوية ذات صلة بالسقوط المالي الكبير أو التعمية عن الفشل المتمادي في استيلادِ الحكومةِ الجديدة.
وفيما كان الداخل اللبناني، أمس، مأخوذاً بعناوين مدجَّجة بـ «الكمائن» المتبادَلة بين الأطراف السياسية وبمحاولات إرساء «توازن سلبي» على خلفية «انفجار» ملف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وذلك فوق حقل الألغام الذي علّق تأليف الحكومة على الحبال المشدودة إقليمياً، انشدّتْ الأنظارُ إلى تطوّريْن، أوّلهما إماراتي، والثاني دوليّ اعتُبر إشارةً إلى «تسليمٍ» ومحاولة «تَكَيُّفٍ» مع استحالة تأليف الحكومة في المدى المنظور وتالياً الإبقاء على «ممرّ إنساني» لدعم الشعب اللبناني الذي تفتك به جائحة «كورونا» والكارثة المالية.
فبعد إشاراتٍ توالت في الأيام الماضية من دون أن تصدر أي تأكيدات في شأنها، أوردت وكالة «رويترز» أمس، أن دولة الإمارات توقّفت موقتاً عن إصدار تأشيرات جديدة لمواطني 13 دولة بينها لبنان، وذلك «لاعتبارات أمنية».
وإذ لم يصدر أي تعليق رسمي من السلطات اللبنانية على القرار باستثناء ما نُقل عن سفير لبنان في الامارات فؤاد دندن من أن «السفارة لم تتبلغ حتى الساعة أي قرار رسمي من الامارات»، تحدثت نقابة وكالات السفر في لبنان (لموقع «النهار») عن استثناءات «للبنانيين الذين يتقدّمون بطلب للحصول على تأشيرة عائلية، ومَن تجاوزوا الستين عاماً، وكل لبناني لديه إقامة خارج لبنان، أكان في دول الاتحاد الاوروبي ومجلس التعاون الخليجي (وايضاً أميركا، أستراليا، كندا، وشرق آسيا)، بغض النظر عن عمره او وضعه العائلي»، مع تأكيد ان هذا التعميم لا يسري على «اللبنانيين الذين حصلوا على تأشيرات دخول إلى الإمارات قبل صدوره».
وفي موازاة هذا التطور، رفعتْ مجموعة الدعم الدولي للبنان الصوتَ متوقفة «بقلقٍ متزايد» عند الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تزداد سوءاً، معربةً عن أسفها لـ «التأخير المستمر بتشكيل حكومة جديدة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بشكل عاجل ومواجهة المحنة المتفاقمة للشعب اللبناني».
وإذ أكدت «الحاجة الماسة لأن يتفق القادة السياسيون على تشكيل حكومة دون مزيد من التأخير»، رحّبت بـ«اعتزام فرنسا عقد مؤتمر دولي للمساعدة الإنسانية والتعافي المبكّر لدعم الشعب اللبناني في أوائل ديسمبر، برئاسة مشتركة مع الأمم المتحدة، دون الانتقاص من الحاجة الملحة لتشكيل الحكومة والإصلاح».
وفي حين اعتُبر الكلام عن مؤتمر الدعم الانساني إشارةً أكدت انعقاده الشهر المقبل بمعزل عن تأليف الحكومة أم لا، ولكن مع ترجيح أن تكون قنوات تسييل المساعدة عبر هيئاتٍ غير حكومية، اعتبرتْ أوساطٌ مطلعة أن حتى الداخل اللبناني بدأ يتحضّر للتعايش مع أزمة حكومية مرشّحة للاستمرار لما بعد السنة الجديدة، وهو ما عبّر عنه ما كشفه مصدر رسمي أمس، من أن مصرف لبنان يدرس خفض مستوى احتياطي النقد الأجنبي الإلزامي من أجل مواصلة دعم واردات أساسية في 2021 مع تضاؤل الاحتياطات المنخفضة بالفعل (تناهز حالياً 17.9 مليار دولار)، لافتاً إلى أن أحد الخيارات قيد الدرس خفْض نسبة الاحتياطي الإلزامي من 15 إلى نحو 12 أو عشرة بالمئة، وموضحاً أنه لم يتبق من احتياطات النقد الأجنبي (القابلة للاستخدام) سوى 800 مليون دولار لدعم واردات الوقود والقمح والأدوية حتى نهاية 2020.
وفيما كان رئيس «الحزب التقدّمي الاشتراكي» وليد جنبلاط يحذّر من «ان استخدام الاحتياطي الالزامي هو مقدمة لانهيار شامل، وكفى مراهنات وزارية وانتخابية إقليمية ودولية تعرّض لبنان الى الزوال»، لم تَبْدُ الطبقة السياسية مكترثةً لهذه الوقائع المخيفة، داخلياً وخارجياً، حيث كان بعض الأطراف يلهون برمي قنابل دخانية للتعمية عن انقطاع الحبل بعملية تأليف الحكومة التي يديرها الرئيس المكلف سعد الحريري، وذلك عبر وضْع قانون الانتخاب على الطاولة وفق طروحاتٍ حمّالة استقطابات سياسية وطائفية، والسعي لإقامة «معادلات ردْع» متبادلة على تخوم فشل موضوع التدقيق الجنائي سواء من خلال رسالةِ رئيس الجمهورية ميشال عون بهذا الشأن إلى البرلمان أو اقتراح كتلة الرئيس نبيه بري توسيع نطاق التدقيق ليشمل «كل الوزارات والإدارات العامة».