كتب بسام ضو في “الجمهورية”:
ثورة 17 تشرين تسعى إلى إدارة سياسية حكيمة ورشيدة وعلميّة وموضوعية مبنيّة على العلم السياسي، ولكي تتوافر الإرادة السياسية الناجحة على المستوى السياسي فإنّ ذلك يتطّلب عناصر عدة، منها:
ـ أولاً، توافر الرؤية الواضحة والموضوعية لِما تسعى الثورة الى تحقيقه، والتي تتطلّب وضع أهداف قابلة للتحقيق، والرؤية يجب ألّا تكون تمنيات ورؤى، بل من المفضّل أن تكون واقعية، والرؤية وفق العلم السياسي لا معنى لها في حال لم تصبح هدفاً للثورة لتحقيقها.
ـ ثانياً، العلم السياسي يعتبر أنّ الرؤية وحدها لا تكفي على الإطلاق بل من المفروض ترجمتها أهدافاً محدّدة ومرتبطة بفترة زمنية تلتزمها قيادة الثورة. وهدف ثورة 17 تشرين هو القدرة على نقل هذه الرؤية الى كافة القوى الثورية المنضوية في هيئة الثورة.
ـ ثالثاً، العمل الثوري الجماعي هو الأساس في النجاح على كافة المستويات سواء أكانت سياسية ـ اقتصادية ـ عسكرية ـ اجتماعية ـ زراعية ـ صناعية ـ علمية ـ أكاديمية. العمل الثوري الجماعي ثقافة مؤسساتية، والثقافة عنصر أساسي في نجاح الثورة، وهي عملية بحثية لصنع مجتمع يقوم على العدالة وتكافؤ الفرص والنظرة الثاقبة. إنّ هدف ثورة 17 تشرين هو السعي الى تطوير الإدارة السياسية في الدولة اللبنانية لتحقيق الهدف الذي تصبو إليه.
ثورة 17 تشرين تسعى إلى تغيير النمط السياسي الحالي، ومن البديهي القول إنّ الوضع السياسي الحالي يتميّز بالعَفن لِما يمتلك من سوء أداء على كافة المستويات وتفتيت الرأي العام وتضليله، وقد أصبح العامل السياسي مرحلياً مُمِلاً الى درجة أنّ الشعب كَفر بجميع السياسيّن وكذبهم وغيِّهم. الاهتمام والعمل لمصلحة الشعب هما شعاران مفضّلان لدى القوى السياسية اللبنانية الحالية، ومع ذلك تبقى أوضاع اللبنانيين، بما تحمله من آلام وعواقب سياسية ونفسية واجتماعية، تدفع إلى التساؤل عن الجدّية السياسية في مواجهة قضايا الناس، ولعلّ لبنان في هذه الأيام يمثّل شريحة ظاهرة اليأس في وجهها السياسي.
إنّ النمط السياسي المعتمد حالياً يسعى عمداً إلى تكريس حالات الفقر والبؤس، وهي تسير في هذا المنحى كلما كان المُمسكون بها شديدي الولع بالسيطرة على حياة الناس وأفكارهم وحراكهم الاجتماعي، فعَبر هذه السياسة الفاشلة فرضت تلك السلطة الجائرة نفسها بطريقة سمحت لها المكوث في سدّة الحكم لأطول فترة ممكنة…
ثورة 17 تشرين تهدف إلى وضع برنامج نمط سياسي لبناء الدولة اللبنانية مجدداً ولكل بناء سياسي جديد هوية سياسية ونمط عمل سياسي يؤسس على التغيير الجذري ضمن وجود نظام سياسي ديموقراطي يؤسس لمشروع سياسي جديد صارم داخل النخب السياسية، ويعتبر أنّ الزبائنية السياسية والعمل السياسي الشريف لا يجتمعان، والفساد وشراء الأصوات والذمم وتأسيس إقطاعيات الزعماء مرفوضة، وإن تأسيس كيان دولة معاصرة تؤمن الرفاه والعادلة لمواطنيها هو الهدف المنشود لفعل تغيير النمط السياسي.
ثورة 17 تشرين تسعى إلى خلق قيادات من مختلف الاختصاصات لكي تحظى بالثقة الداخلية والمشرقية والعالمية في سداد نهجها السياسي والديبلوماسي، وستسعى إلى وضع خطط من شأنها تعزيز السلم والأمن محلياً ـ إقليمياً ـ دولياً.
ثورة 17 تشرين ترفض النهج السياسي الحالي لإدارة البلاد في خضمّ تلك المرحلة الحَرجة، حيث القرار السيادي والسياسي للدولة اللبنانية الحالية أعقَد بكثير من أن تتناوله رسالة من مرجعية سياسية أو بيان من حزب معيّن، فالقرار السيادي لإدارة البلاد حالياً هو في وَضعٍ لا يُحسد عليه، وأزمات المنطقة كلها تُجلِّل المشهد.
وليس في استطاعة أحد من السياسيّين الغارقين في الفوضى خِداع أي باحث بأنّ الوضع سليم ومُعافى، فلبنان يمرّ في حالة تعقيد شديدة تزيدها الاتهامات غير الموضوعية بين تلك القوى. إنّ القوى السياسية الحالية عمدت، منذ تسلّمها السلطة، على تجويف النظام السياسي ونحره من الداخل وحَرفه عن المسار الديموقراطي. هذا النهج المعتمد حالياً ترفضه ثورة 17 تشرين، وهو عملياً يُسيء إلى العمل السياسي الديموقراطي ومساره. وبذلك شكّلت انطلاقة الثورة حداً فاصلاً بين مرحلة تَجَوّفت فيها الديموقراطية وتَعَفّنت، ومرحلة تدعو وتهدف إلى إعادة الإعتبار للنظام السياسي الديموقراطي الحقيقي لا إلى غيره من الأنظمة الفاشلة التي تعمل حالياً، وذلك من خلال سَعي ثورة 17 تشرين عبر قياديّيها الجُدد إلى التغيير الفعلي والعملي.
ثورة 17 تشرين تسعى إلى خلق قادة شرفاء جُدد يتواصلون مع جميع الناس، ويتابعون الأحداث بتجرّد وجرأة، ويتعلّمون من الأحداث ويحدِّدون الأهداف بدقّة…
ثورة 17 تشرين لن تتدخل في شؤون دول أخرى، ولن تهاجم السياسات الداخلية لهذه الدول وتحترم خصوصياتها.
ثورة 17 تشرين تُراقب وتُدقِّق أفعالها ولا تتهاون في هذه المراقبة، وتحرص على تسجيل كل خطأ ستقع فيه لتصحيحه…
ثورة 17 تشرين ستكون هي الثورة الهادرة، وسينبثق منها عمالقة سياسة يُخصّبون الحياة السياسية اللبنانية. وللبحث صِلة.