كتب إيلي الفرزلي في صحيفة “الأخبار”:
من خلال قراره المتعلق بالطعن المقدّم بقانون المياه، فتح المجلس الدستوري الباب واسعاً أمام المعارضين للهيئات الناظمة، المتحرّرة من سلطة الوزراء. في القرار الصادر في 24 تشرين الثاني، وافق المجلس، جزئياً، على الاعتراض الذي عبّر عنه التيار الوطني الحر من خلال الطعن المقدم بقانون المياه. لكنه بموافقته هذه، أعاد خلط أوراق الخلاف المتعلّق بدور هذه الهيئات ومدى استقلاليتها، فبحسب المجلس لا يمكن سلب الوزير صلاحية أناطها به الدستور.
الهيئات الناظمة هي جزء من المبادرة الفرنسية، ولاسيما الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء والهيئة الناظمة لقطاع المياه. هاتان الهيئتان يُدفع باتجاه أن تكونا مستقلتين عن سلطة الوزير المختص، تماشياً مع التوجهات العالمية، التي تعطيهما صلاحيات واسعة لتنظيم وإدارة القطاع. لكن القرار الصادر عن المجلس الدستوري أول من أمس يؤشّر إلى أن سلوك طريق كهذه معرّض للإبطال إذا ما طعن به أحد المعترضين. فالطعن المقدّم من «التيار الوطني الحر» بقانون المياه المعدّل في 22 تشرين الأول الماضي، كان بُني على اعتبار أن القانون يمسّ بالصلاحيات الدستورية للوزير. والمادتان 14 و15 تحديداً «تتعارضان بشكل فاضح مع المواد 65 من الدستور، ولاسيما الفقرة 5 الأخيرة منها، و66 و54 و70 منه».
المادة الأولى (14) تشير إلى تشكيل هيئة وطنية للمياه برئاسة رئيس الوزراء، والثانية (15) تُحدّد مهام هذه الهيئة. ويعتبر الطعن أن إشراك رئيس الوزراء وآخرين بالمهام المتعلقة بالأمور العائدة إلى إدارة وزير الطاقة والمياه حصراً هو مخالفة دستورية. كما يشير إلى أن الهيئة باتت تمارس مهام أناطها الدستور حصراً بوزير الطاقة والمياه بموجب المادة 66.
يعتبر المجلس الدستوري، في قراره، أن المادة 14 (تشكيل الهيئة وترؤسها من قبل رئيس الحكومة)، يدخل في دائرة تطبيق البندين 7 و8 من المادة 64 من الدستور (صلاحيات رئيس مجلس الوزراء) وتشكّل بصورةٍ مُمَأسسة أبرز أوجه قيام رئيس مجلس الوزراء بمتابعة أعمال الإدارات والمؤسسات العامة وبالتنسيق بين الوزراء وإعطاء التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل، وبعقد جلسات عمل منظّمة وممنهجة مع الجهات المعنيّة في الدولة في موضوع قطاع المياه بحضور الوزير المختص بصفته نائب رئيس الهيئة الوطنية للمياه. ويشير «الدستوري» إلى أنه إذا كان لا يصح تقييد سلطة الوزير أو مجلس الوزراء أو الحد من صلاحيات أي منهما، فإنه «لا يوجد أي مانع من تزويدهما بالمشورة وبالمعطيات والمعلومات التي تمكّن كلاً منهما، في مجال اختصاصه، من اتخاذ القرار. فضلاً عن ذلك، إن المادة 14، تشكّل تكريساً للعرف الذي جرى عليه رؤساء مجالس الوزراء لجهة تشكيل – بقرارات إدارية فردية – لجان عمل مشتركة لبحث ودراسة موضوع أو مواضيع معيّنة، وترفع تقريراً بنتيجة أعمالها إلى المرجع الذي شكّلها. وهذا التقرير لا يُلزم الوزير أو مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الوزراء». وعليه، اعتبر المجلس أن المادة ١٤ لا تكون مخالفة لأحكام أي من مواد الدستور، بما يوجب رد الطعن بخصوصها.
المشورة دستورية
أما في ما يتعلق بالمادة 15، التي تحدّد مهام الهيئة فهي كالتالي:
1 – المساهمة في تحديد الأهداف والمبادئ التوجيهية العامة لسياسة وطنية عامة ومستدامة لقطاع المياه.
2 – دراسة المخطط التوجيهي العام للمياه الذي يصبح نافذاً بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء.
3 – دراسة قدرة الدولة على تمويل الخطط والمشاريع ووضع برامج التمويل وتحديد مصادره.
4 – دراسة الخطط والبرامج الهادفة إلى تنظيم استعمالات المياه ومنع إهدارها وترشيد استهلاكها.
5 – إقرار مشاريع وتنظيم توزيع المياه ذات الأهمية الوطنية والإقليمية إضافة الى تحديد أفضليات المشاريع وتوزيعها على المناطق.
6 – دراسة التوجّهات والإجراءات التي ترتئيها الوزارات المختصة لتطبيق الإدارة المتكاملة للمياه، ولاسيما في مجال حماية النظم البيئية المائية، بما في ذلك السياحة والصناعة والطاقة وإدارة الأحراج والنشاطات الزراعية وتربية المواشي وصيد الأسماك والتنظيم المدني.
7- وضع التوصيات التي تتناول الأبحاث والتعليم والتدريب والإعلام في حقل المياه، بهدف تحسين إدارة هذا المورد.
8 – الاطّلاع على المعاهدات الدولية، المتعلقة بتقاسم المياه في الأنهار العابرة للحدود أو التي لها تأثير على الأمن المائي الوطني، وإبداء الرأي فيها.
فقد أشار القرار إلى أن البنود 2 و3 و 4 و6 و7 و8 تقتصر على إيلاء الهيئة الوطنية للمياه مهامّ استشارية، تحضيرية، سابقة لاقتراح اتخاذ القرار من قبل المرجع المختص، وزير الطاقة والمياه، وسابقة بالطبع لاتخاذ القرار، حيث إن هذا الدور الاستشاري المعطى للّجنة بوضع دراسات فنّية أو علمية يساعد الوزير في نطاق عمله ولا يحد من صلاحياته إطلاقاً لأنه غير ملزِم له. وأكد المجلس على قرار سابق (رقم 5 تاريخ 29/9/2001) يشير فيه إلى أن «لا مانع من إبداء المشورة وتزويد الوزير و/أو مجلس الوزراء بالمعطيات والمعلومات». كما أضاف له «تزويدهما بالدراسات، التي تمكّنهما من اتخاذ القرار المناسب دون تجاوز صلاحيات أيّ منهما». وعليه، فإن المجلس خلص إلى أن هذه المواد ليس فيها أي تجاوز لصلاحيات الوزير الإدارية أو الدستورية ولا لصلاحيات مجلس الوزراء وهي لا تخالف بشيء أحكام الدستور ولاسيما المواد المسند إليها الطعن، طالما أن التقرير الذي يصدر عن الهيئة إيذاناً باختتام الموضوع الذي قامت بدراسته، والمقتصر على التعبير عن رأيها، وهو رأي غير ملزم للوزير المختص أو لمجلس الوزراء أو لرئيسه. لكنه بذلك، أكد أن عمل اللجنة يجب أن يكون استشارياً أو داعماً لعمل الجهة المختصة، على أن يكون القرار النهائي هو لهذه الجهة.