بقلم العميد المتقاعد طوني مخايل
هذا ما كتبه بقلمه الرئيس المنتخب جو بايدن الربيع الماضي في مجلة الشؤون الخارجية عن لبنان: “الدول التي تشهد مزيداً من الاحتجاجات والمظاهرات كالعراق ولبنان وإيران عليها أن تتوقع ضغوط أمريكية أكبر مستقبلاً، وان تطبيق مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد ومكافحة الفساد سيكون مفتاح علاقاتها مع الولايات المتحدة”، هذا القول هو بمثابة مؤشر على الطريق التي ستسلكه الإدارة الأميركية الجديدة مع الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان والتي تعيش حالياً في زمن العقوبات الأميركية عليها وربما لاحقاً أوروبية واستناداً الى التصريحات والخطابات للأطراف السياسية اللبنانية المعنية بهذه العقوبات فإن الأمور متجهة نحو التصعيد والمواجهة.
أصبح القاصي والداني على معرفة بالنتائج الاقتصادية والمالية والاجتماعية في حال إصرار الطبقة السياسية في لبنان على عدم السير بالإصلاحات ومكافحة الفساد وبتأليف حكومة بعيدة عن السياسيين والحزبيين التي يطالب بها المجتمع الدولي وهو الوحيد القادر على مساعدة لبنان في هذه المجالات، لكن من يضمن ايضاً في ظل هذا الجو من التوتر وخلال الفترة الانتقالية الرئاسية في الولايات المتحدة من تصعيد المواجهة ورفع سقف العقوبات من فردية تطال سياسيين الى عقوبات جماعية تصل الى المؤسسات الرسمية ومنها المدماك الأخير لاستقرار الدولة اللبنانية وربما وجودها، وأعني الجيش اللبناني، والذي تشكل المساعدات العسكرية الأميركية حوالي ٧٥% من قيمة ذخيرته وصيانة عتاده وآلياته للمحافظة على جهوزيته والقيام بمهماته (١٠٠ مليون دولار تقريباً في السنة).
في آب من العام ٢٠١٠ وقع اشتباك مباشر بين الجيش اللبناني وجيش العدو الاسرئيلي في قرية العديسة وأوقع خسائر بشرية من الطرفين، في كانون الثاني ٢٠١١ غداة إسقاط حكومة سعد الحريري أثناء وجوده في واشنطن، في تشرين الثاني ٢٠١٦ اقام حزب الله عرضاً عسكرياً في بلدة “القصير” السورية وظهرت فيه ناقلة جنود أميركية الصنع طراز “م١١٣” لتصل الى العام ٢٠٢٠ حيث اقرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي مشروع قانون بعنوان “مواجهة حزب الله في لبنان” يربط المساعدات العسكرية للجيش اللبناني بشروط معينة للافراج عنها، كلها محطات سياسية وأمنية كان بعض المشَّرعين الاميركيين يبادرون على أثرها الى وضع أو إحياء مشاريع قوانين تُقنن المساعدات العسكرية أو تمنعها بالكامل ولكن في النهاية كانت الإدارة الأميركية لا تتبنى هذه المشاريع وتبقى على وتيرة تقديم مساعداتها وتجدد ثقتها وإيمانها بالجيش اللبناني وقيادته، ولكن السؤال الأساسي: هل سيستمر هذا الدعم في ظل هذه المواجهة المفتوحة؟
يعيش الجيش منذ سنوات في حالة عدم الاكتفاء الذاتي لناحية شراء أسلحته وذخيرته وقطع بدل لآلياته الثقيلة والنوعية ويعتمد لسد حاجاته على المساعدات الخارجية وخاصة الأميركية وهذا بسبب العجز الدائم في التمويل المخصص له في الموازنات وآخرها التخفيض الذي طال موازنته في العام ٢٠١٩، فهل الدولة قادرة على تأمين البديل وهي عاجزة عن تأمين الطحين والدواء والفيول لمواطنيها؟ هل فكر أهل السلطة والقرار بهذا الاحتمال ونتائجه، هل يعرفون أن استدارة الجيوش من الغرب نحو الشرق أو العكس يتطلب سنين طويلة وميزانيات ضخمة؟ هل يدركون أن الأركان الثلاث لجميع جيوش العالم هي العديد والعتاد والمعنويات؟ هل هم مطمئنون ان مناقبية الجيش وتضحياته ووفائه وشرفه ستحميهم من أهل الثورة والفقراء؟
الانفلات الأمني والفتن الداخلية وتسلل الإرهابيين عبر الحدود والاعتداءات الإسرائيلية في الجنوب هي تهديدات يومية يواجهها الجيش اللبناني كما يقال “باللحم الحي”، فكيف اذا سلخ عنه هذا اللحم وأصبح تأمين الذخيرة والأسلحة مرهون بدعم مصرف لبنان وتسيير آليات الجيش العسكرية في الداخل وعلى الحدود يخضع لمبدأ المفرد والمجوز وجهوزية عديد العسكريين في الثكنات والمراكز المنتشرة مرتبط بكمية التغذية المتوفرة لإطعامهم؟
الكلام ما قبل ١٧ تشرين ٢٠١٩ عن أن بلوغ الدولار عتبة العشرة آلاف ليرة لبنانية وغيرها من الازمات التي نمر بها حالياً كان يُعتبر من ضروب المستحيل أو حتى الخيال وها هو أصبح الآن واقعاً يعيشه اللبنانيون يومياً.
ملاحظات:
– ان موازنة وزارة الدفاع الإسرائيلية للعام ٢٠١٨ حوالي ١٩ مليار دولار عدا عن المساعدات العسكرية الأميركية والتي تقدر بحوالي ٣،٥ مليار دولار سنوياً.
– ترتيب لبنان من حيث مقدار ميزانية الدفاع بين الدول العربية هي ١٥ يليه مسقط عمان، تونس، جيبوتي، الصومال، جزر القمر، موريتانيا.
– ان الأسلحة النوعية لمكافحة الإرهاب ومراقبة الحدود (طوافات، طائرات دون طيار، ناقلات جند) جميعها أميركية الصنع.