كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
لا يزال الوضع الأمني في البقاع عصيّاً على كل محاولات ضبطه، بحيث أصبح لغزاً محيّراً لا تَقوى الدولة بأجمعها على فك رموزه حتى الآن، فكيف يردّ الجيش على التساؤلات والهواجس التي يفرزها التفلّت الأمني في تلك المنطقة؟
مع انّ الجيش نفّذ أكثر من خطة أمنية وعزّز انتشاره غير مرة، خلال المراحل السابقة، لمواجهة الفوضى المتنقّلة بين البلدات البقاعية، الّا انّ ذلك لم يكن كافياً للسيطرة على الموقف، فاستمرت المنطقة ساحة لتصفية الحسابات العائلية والعشائرية، ولجرائم السرقة والخطف، الأمر الذي ألحقَ مزيداً من الأذى في دورتها الاقتصادية المنكمشة أصلاً جرّاء الازمة العامة.
ومن البقاع المحروم الذي تهمله السلطة الى المرفأ المدمّر بفِعل فسادها، يشعر الجيش بأنّ مؤسسات الدولة استقالت من وظائفها الحيوية وحَمّلته أعباء مَلء فراغها والتعويض عن غيابها، بدل أن تتكامل معه.
ولعل ما يزيد من وطأة «الحمولة» على المؤسسة العسكرية في هذه المرحلة هو إخفاق المعنيين، حتى الآن، في تشكيل حكومة قادرة على التصدي للتحديات الكثيرة، والتخفيف من الاعباء على الجيش.
وتؤكد مصادر عسكرية رفيعة المستوى لـ»الجمهورية» انّ الجيش غير مُقصّر او مُتراخٍ في إجراءاته الميدانية في البقاع، وهو ينفذ مداهمات ويسَيّر دوريات ويوقِف مرتكبين ويرصد مطلوبين ويضبط ممنوعات، «لكنّ المساحة الواسعة للمنطقة المترامية الأطراف، وخصوصيات العشائر والعائلات فيها، تتسبّب احياناً في تعقيدات وثُغَر».
وتشدد المصادر على أنّ الجيش لن يسمح بأن يبقى البقاع رهينة المتمردين على القانون والمخلّين بالأمن، مشيرة الى انه سيتشدّد في تطبيق التدابير العسكرية، إنطلاقاً من انّ المحافظة على أمن المنطقة هي مسؤولية في رقبته، «ونحن سنبذل جهداً إصافياً لضبط الوضع، ولا يعترضنا أي نوع من العوائق السياسية او اللوجستية».
وتلفت المصادر الى انّ الوقائع أظهرت انّ الاشكالات غالباً ما تبدأ فردية ومحصورة، غير انها لا تلبث أن تأخذ حجماً عائلياً وعشائرياً يؤدي إلى تفاقمها، «وهذا هو الفارق بين حوادث البقاع وتلك التي تجري في مناطق أخرى».
وتعتبر المصادر انّ طبيعة نسيج المنطقة والتداخل بين العوامل الأمنية والاجتماعية والعائلية والعشائرية يستوجبان التعامل مع الحوادث بحزم وحكمة في آن، موضحة أنّ العلاج قد يكون صعباً إنما لا بد منه.
وتنفي المصادر ان يكون الجيش مُكبّلاً في البقاع نتيجة الخوف من أن يتعرّض عناصره لأعمال الانتقام والثأر، مؤكدة انّ واجباته لا تتأثر بمِثل هذه الأمور التي حصلت على نطاق ضيق في السابق، وليس لها أيّ انعكاسات على قراره في التصدي للعابثين بالاستقرار.
كذلك تنفي المصادر ان يكون بعض الضبّاط متخاذلين على الأرض نتيجة تورّطهم في سَمسرات معينة، كما تروّج الشائعات، مشيرة الى أنّ القيادة حريصة على المناقبية العسكرية لعناصرها وضباطها.
وتشدد المصادر على معادلة قديمة – جديدة فحواها انّ المعالجة لواقع البقاع ليست أمنية فقط، ولا تقع على عاتق المؤسسة العسكرية حصراً، بل هي كلٌ لا يتجزّأ، وتتضمن أبعاداً قضائية وخدماتية واقتصادية وسياسية، «أي انّ الدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها يجب أن تكون شريكة في بسط الاستقرار بقاعاً».
وتدعو المصادر العسكرية الى الأخذ في الحسبان انّ الجيش يتحمّل في هذه المرحلة مسؤوليات ضخمة، وتتوزّع طاقته على اتجاهات عدة في وقت واحد. موضحة انّ أثقال ملف المرفأ أُلقيَت بكاملها على كاهله، من أعمال الإنقاذ وإزالة الردم الى تنظيف الأرصفة وإجراء الكشف على عشرات آلاف المنازل واستلام المساعدات والأموال وتوزيعها على العائلات، بل حتى المساعدات المُرسلة الى بعض الوزارات تولّى الجيش توضيبها وتوزيعها.
وتتساءل المصادر: هل قانون الطوارئ يبرّر أن تتخلى الوزارات والادارات عن واجباتها كليّاً وتَتكِل بالكامل على المؤسسة العسكرية في مواجهة تداعيات انفجار المرفأ، وكأنه ما في إلّا الجيش في هذه الدولة؟ (إقتباس لمقولة: ما في إلّا طَنسة «طنّوس» بالجيش؟).
ومع ذلك، تؤكد المصادر انّ الجيش لن يتراجع عن تأدية دوره في الوقوف الى جانب المتضررين من جرّاء انفجار المرفأ، بمعزل عن مكامن التقصير في سلوك الدولة، تماماً كما أنه لن يتخلى عن دوره في حماية المواطنين في البقاع.
تجدر الإشارة إلى أنه، وفق الرواية الشعبية، فإنّ طنّوس شابّ طيّب القلب، تَقدّم يوماً بطلب تَطوّع في الجيش، وعندما مثل أمام اللجنة الفاحصة، سأله أحد الضبّاط: يا طنّوس. ماذا تفعل لو هاجمك جنديّ عدوّ؟
– أضربه ضربة واحدة فأقتله.
– جيّد. وإذا هاجمك اثنان؟ سأل ضابط آخر.
– أضرب الأوّل، وأرتدّ نحو الثاني. لا يحتاج الواحد منهما أكثر من ضربة واحدة.
– جواب جميل. ولكن إذا هاجمك واحد من اليمين، وآخر من اليسار، وثالث من الأمام، ورابع من الخلف؛ فماذا تفعل؟
– أضرب الأوّل بيميني والثاني بيساري. ثم أسدّد للثالث ضربة بقدمي. وأستدير بسرعة وأسدّد مثلها للرابع.
– أحسنت يا طنّوس. ولكن قل لي: ماذا لو هاجمك 20 جنديّاً، وقصفوك بالمدفعية والطيران، وزحفوا نحوك بالدبّابات؟
– ما هذا الجيش! ما فيه غير طنّوس؟!!