كتب جورج بشير في صحيفة “الجمهورية”:
هل يعيد تاريخ وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان (500 ألف) نفسه مع الوجود السوري النازح (مليون ونصف المليون نازح )، مع الفارق في تاريخ بداية الوجود الأول (سنة 1947) والوجود الثاني (سنة 2009)؟
جريمة القتل التي ارتُكبت في مدينة بشري الشمالية، وأودت بحياة الشاب اللبناني جوزف طوق على يد النازح السوري م.ح، رسم المراقبون الذين عايشوا مراحل الوجودين الفلسطيني اللاجئ والسوري النازح في لبنان حولها أكثر من علامة إستفهام، لا بدّ من البحث عن أجوبة في شأنها من المعنيين، خصوصًا الذين مرّت عليهم الجريمة الأخيرة في بشري مرور الكرام، بعد مواراة المغدور اللبناني الثرى أمس الاول في تراب بلدته.
لو أنّ الجريمة وقعت نتيجة عراك، أو حادث سيارة مثلًا، ربما كان الوضع أهون من الطريقة المهولة التي حصلت جريمة بشري بفعلها، لأنّها أعادت ذاكرة اللبنانيين إلى مرحلة الستينات والسبعينات وما أعقبها، حتى إتفاق القاهرة المشؤوم. وما حصل يومها على هذا الصعيد، كان نتيجة تقصير وأخطاء وخطايا ارتكبها مسؤولون لبنانيون في الحكم والحكومة والبرلمان والأحزاب، على مرّ السنين المنصرمة. ناهيك عن التدخّل الخارجي الفاضح.
لا يمكن إتهام اللبنانيين بالعنصرية إذا ما اضطرتهم الأحداث والحوادث، للعودة بذاكرتهم إلى تلك المراحل المؤلمة من تاريخ بلدهم، لأنهّم استقبلوا بترحاب منقطع النظير إخواناً لهم، لجأوا إلى لبنان من فلسطين، وأعدادهم تناهز اليوم النصف مليون إنسان، على أمل الإلتزام العربي والدولي بحق العودة المقرّر دوليًا. لكن هذا الإلتزام تبخّر، وذاهب على ما يبدو مع رياح التطبيع إلى النسيان، منذ قمة بيروت العربية في عهد الرئيس إميل لحود، ومع مرّ السنين. وبهذه الروح استقبل اللبنانيون إخوانهم النازحين السوريين، الذين انتشروا في طول لبنان وعرضه من دون ضوابط، فيما كبّلت الضوابط وجودهم وتحرّكاتهم داخل المخيمات في بلدان صديقة وشقيقة.
من لا يتعلّم من الماضي يبقى عرضة للوقوع في مطبات الأخطاء والخطايا، التي بعضها أو جُلّها لا يُغتفر. إذ ما من بلد من بلدان العالم يتحمّل وجود أكثر من نصف عدد سكانه الأصليين من اللاجئين والنازحين من دون ضوابط ؟
في نهاية الستينات، لا بدّ من العودة إلى الذاكرة مرة جديدة، وجدت دوريات من الأمن العام اللبناني في إحدى قرى الجنوب، في حوزة حوالى 20 شخصًا من اللاجئين الفلسطينيين الذين جاؤوا من الأردن إلى لبنان أسلحة خفيفة، ولم تتخذ السلطات اللبنانية يومها التدابير الإحترازية حماية لأمن الوطن والمواطنين، بالإجراءات الوقائية الفورية. فتهاونت، برغم التحذيرات الرسمية التي أطلقها مدير عام وزارة الداخلية يومها الشيخ شفيق الخازن، فتحوّل السلاح من خفيف إلى سلاح ثقيل، ومن كل العيارات، حتى الصواريخ. ووصل الحال إلى ما وصل إليه، بعدما تحول بعض المخيمات إلى ملاجئ للهاربين من وجه العدالة، حيث أُجبر لبنان على القبول بإتفاق القاهرة، أكبر وصمة عار في تاريخه
اليوم، ها هو التاريخ يعيد نفسه، إذ أنّ النازح السوري الذي قتل الشاب اللبناني المرحوم جوزف طوق في بشري، استخدم سلاحًا ممنوعًا وغير مرخصًا، مما دفع اللبنانيين في مختلف المدن والبلدات اللبنانية التي ينتشر فيها الإخوان النازحون، لمطالبة مسؤولي الأمن اللبنانيين بإتخاذ الإجراءات السريعة، حيطة وحذرًا، وخشية الوقوع في تقصير وخطأ وخطيئة مرة جديدة مع نازحين آخرين، ثبت أنّهم استخدموا أسلحة في عمليات سطو أو مخلّة بالأمن، وارتكبوا جرائم في بعض هذه المدن والقرى التي استقبلتهم واحتضنتهم. فدرهم وقاية خير من قنطار علاج، كما يقول المثل، كي لا نضطر صاغرين، كما اضطررنا في السبعينات، للقبول «بإتفاق قاهرة» جديد نتيجة التقصير والتهاون، حتى التواطؤ. فدرهم الوقاية يبقى خيرًا من قنطار علاج. فالأمنيون اللبنانيون لديهم من الحس الوطني والمسؤولية والخبرة، لإيجاد الضوابط التي من شأنها الحفاظ على الأمن القومي، والحؤول دون وجود أسلحة داخل مخيمات ومنازل النازحين، كي لا يصل الوجود النازح المفتعل في لبنان إلى ما وصلنا إليه، مع الوجود اللاجئ، ولا يعود هنالك من مجال للندم.
وإتهام اللبنانيين بالعنصرية في هذا المجال، يبقى في غير محله، إذا ما سارع المعنيون من دون إبطاء أو تردد، إلى إتخاذ إجراءات الحيطة والحذر حفاظًا على أمنهم وأمن ضيوفهم. لأنّ المرء لا يُلدغ من الجحر مرتين.