لطالما كان ملف النازحين السوريين طوال السنوات الماضية، محلّ خلاف بين القوى السياسية، بسبب إختلاف الاراء تجاه النظام السوري، وتضارب المواقف بالنسبة الى الاسلوب الواجب اتّباعه لإعادتهم الى بلادهم.
واُطلقت مبادرات عديدة من اجل ترتيب عودتهم الامنة كان اوّلها من روسيا المعنية مباشرةً بالازمة السورية، تضمّنت توفير الشروط الاجتماعية والاقتصادية والضمانات الأمنية لعودتهم وإستكملتها منذ ايام بالمؤتمر الدولي الذي عُقد في دمشق في 11و12 الجاري من دون ان يُحقق النتائج المرجوة بسبب غياب المشاركة الاميركية والاوروبية والعربية.
واتى بعد المبادرة الروسية، تحرّك من جانب حزب الله لتأمين عودتهم انطلاقاً من دوره في الحرب السورية الى جانب النظام، وكان مصيرها الفشل ايضاً بالاستناد الى الاعداد الضئيلة من النازحين التي عادت الى سوريا.
اما المبادرة الاكثر فاعلية وحيوية اتت من جانب المديرية العامة للامن العام، حيث نظّمت رحلات عودة آمنة وطوعية في العام الفائت التحق بها الاف النازحين ممن رغبوا بالعودة الى مناطقهم وقراهم بعدما اصبحت امنة ومستقرّة.
اليوم وبعد إنتهاء المعارك العسكرية الأساسية وإستعادة الجيش لمساحات واسعة من الاراضي السورية، لم يعد من مُبرّر على الإطلاق لبقاء هذه الأعداد الضخمة منهم في لبنان، لاسيما في ظل الدعوات اللبنانية المتكرّرة على لسان رئيس الجمهورية ميشال عون وباقي المسؤولين، المجتمع الدولي لمساعدتنا على حل هذه المشكلة التي تُرهق كاهل لبنان، اقتصادياً واجتماعياً وامنياً.
وفي ظل التدهور الاقتصادي والمعيشي الذي يعانيه لبنان ويُنذر بتفلّت امني كنتيجة لارتفاع معدلات البطالة والفقر، ابدت اوساط سياسية سيادية خشيتها عبر “المركزية” “ان يتحوّل النازحون الى قنابل موقوتة و”فتيل” لاشعال الساحة المحلية من خلال استغلال تردّي اوضاعهم الاقتصادية شأنهم شأن معظم اللبنانيين، وذلك بهدف تمرير رسائل سياسية-امنية واستخدامهم ورقة لتصفية الحسابات السياسية”.
ومع ان الحرب السورية التي بدأت مطلع عام 2011 لا تُشبه بظروفها وواقعها ما حصل في فلسطين عام 1948، غير ان “التعلّم” من تجربة اللجوء الفلسطيني اكثر من ضرورة وطنية من اجل تفادي سيناريو سيّئ بدأ منذ العام 1975 ولا تزال مفاعيله مستمرة حتى اليوم.
فإذا جمعنا عدد النازحين السوريين المقدّر بأكثر من مليون ومئتي الف مع عدد اللاجئين الفلسطينيين الذي يفوق المئتي الف نجد ان أكثر من ثلث السكان في لبنان غير لبنانيين موزّعين على مختلف المحافظات والمناطق، وهذا بحدّ ذاته تحدّ جديد يُضاف الى التحديات الاقتصادية والمعيشية والمالية التي يواجهها اللبنانيون، حكومةً وشعباً.
من هنا، شددت الاوساط السياسية على “ضرورة الا تُهمل الدولة موضوع النازحين بإنتظار الحل السياسي في سوريا. عليها تكثيف الاجراءات الامنية حول المخيمات من اجل ضبطها، خصوصاً ان بعض النازحين بات مسلّحاً، وهو ما ظهر في عمليات امنية عديدة تحصل بين الحين والاخر، وذلك من اجل القضاء على الخلايا النائمة التي تجد من المخيمات وكراً لتعشش بين النازحين مستغلّة اوضاعهم المعيشية المُزرية”.
وفي السياق، سألت الاوساط عن مقررات طاولة الحوار الوطني التي عُقدت في مجلس النواب عام 2006 بدعوة من الرئيس نبيه بري، واجمع الحاضرون من مختلف الاحزاب على قرار نزع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها، علماً ان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كان طالب بوضع المخيمات تحت سلطة الشرعية ونزع السلاح، لان الدولة مسؤولة عن الموجودين على ارضها”؟
ان عودة السوريين الى دولتهم باتت اكثر من ضرورية، تؤكد الاوساط، ما دامت دولتهم موجودة ومناطقهم محررة واراضيهم واملاكهم كذلك، خلافا للاجئين الفلسطينيين المطرودين من دولتهم ولا تشبه ظروفهم في اي شكل ظروف النازحين السوريين، فإن كان لبنان تحمل طوال نصف قرن عبء اللجوء الفلسطيني بكل اوزاره نيابة عن العرب اجمعين، هل سيسمح بتكرار السيناريو مع النازحين من سوريا فيدفع الفاتورة مرتين، حتى في احلك الظروف وفي لحظة يقترب الى الحد الاقصى من انهيار الدولة؟